وقد ذهب كثير من العلماء: إلى أن معنى قوله: (إلا تحلة القسم) إلا مقدار ما يبر الله قسمه بالجواز على النار؛ ذهاباً إلي قوله سبحانه: {وإن منكم إلا واردها} مريم: 23.
قال بعضهم: القسم يضمر بعد قوله {وإن منكم} أي: وإن منكم والله {إلا واردها}.
وقال بعضهم: موضع القسم مردود إلى قوله تعالى: {فوربك لنحشرنهم والشياطين} مريم:68؛ واستدل أصحاب هذا التأويل بحديث مرفوع، وهو: (من حرس ليلة من وراء المسلمين متطوعاً، لم يأخذه السلطان- لم ير النار تمسه إلا تحلة القسم؛ قال الله تعالى: {وإن منكم إلا وارها}.
قلت: هذا الحديث- إن صح- فإنه محتمل للمعنى الذي يحتمله حديث أبي هريرة، والآية التي ذكرت بعد الحديث أن بعض الرواة ذكرها على وجه الاستدلال؛ كما ذكرها بعضهم في حديث أبي هريرة.
والأشبه: أن المراد من (تحلة القسم): الزمان اليسير الذي يمكن فيه تحلة القسم بالاستثناء متصلاً به؛ هذا هو الأصل فيه، ثم جعل ذلك مثلاً لكل شيء يقل وقته، والعرب تقول: فعلته تحلة القسم، أي: لم أفعل إلا بقدر ما حللت به يميني، ولم أبالغ.
وإنما قلنا: (إنه الأشبه)؛ لأن تحلة القسم مذكورة في كلامهم قبل أن جاء الله بالإسلام؛ قال الشاعر: (من الطويل):
أرى إبلي عافت جدود فلم تذق .... بها قطرة إلا تحلة مقسم
وهذا بيت جاهلي قاله القائل يوم جدود، وهو يوم الكلاب الأول، ويوم الكلاب الثاني- أيضاً- كان قبل الإسلام قريباً من مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فرأينا أن نرجع في المعنى إلى أصل اللغة (لكونانتها) على حقيقة.
[1187] ومنه: حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من كان له فرطان من أمتي .. الحديث).
الفرط- بالتحريك: الذي يتقدم الواردة فيهيئ لهم الأرسان والدلاء ويمدر الحياض، ويستقي لهم، وهو فعل بمعنى فاعل؛ مثل: نبع بمعنى نابع؛ يقال: رجل فرط- أيضاً- ومنه الحديث (أنا فرطكم على