الحمد لله الذي لم يفتتح بأفضل من حمده الخطاب، ولم يختتم بأحمد من ذكره كتاب، حمدا تطير إليه النفوس العلوية وتطرب منه العقول القدسية، ويستمع له الكرام البررة، وتصعد به الملاك السفرة، فينتهي مسموعه إلى الملأ الأعلى، ويستوى مرفوعه إلى سدرة المنتهى، ثم الصلاة على من بدا منه البدايات، وانتهى إليه النهايات، ومهد له الصواب، وسخر له الخطاب، وفتح به المعاني المكنونة، وختم به الألفاظ المصون، فله جمال هذا الأمر، وذكره، وسناؤه وبهجته وذخره، محمد المكرم وجهه بجوامع الكلمات، المنوه باسمه في ملكوت السموات، رحمة الله المهداة للأمم سلفها وخلفها، النازل من آل إبراهيم في ذراها وذروتها وبنت شرفها، وعلى آله وعترته، وأزواجه وذريته، وعلى سائر المكرمين بصحبته، ثم إني أقول واقفا موقف الأسير، متدرعا لبسة البائس الفقير، بعد أن اعتاص على الأمر، وأحاطت بى الآفات، وضاق على السبيل، وبليت بنفس يملكني هواها، بعد أن ضعفت قواها، وانتكثت مرائرها، وتضعضت دعائمها، وهأنا أناجيك بلسان الضراعة، بعد أن أضاق الذنب ذرعى، وأقض الفترة في مضجعي، وهد الشيب ركني، وآلم قلبي ما ألم بى، مستمدا من بحر جودك، ومستطما أشايب رحمتك، يا من يعلم دفائن الصدور، ومخبآت النفوس، يا من يسمع حنين الأرواح وأنين القلوب، يا من له الخلق والأمر، يا من بيده الحل والعقد، يا من ينعش المذنب من سقطته، يا من يشيل العبد عن صرعته، يا من يميط الشر والأذى، يا من يمسح الجفون عن القذى، يا من معروفه غير وعر على طلابه، يا من أعطى فأحسن، يا من أسدى فأجزل، يا من أجدى فأفضل، بلغ السيل الزبي، واتسع الخرق على الراقع، فتقبل توبتي، واغسل حوبتي، وارحم شيبتي، ولا تسألني عما جنيت، ولا تفضحني فيما ادعيت، وإذا انقضت الأنفاس المعدودة، وأحاط بى اليوم الموعود، فلا تضيع من حقق الرجاء في كونه مفنيا عمره ببابك، وأدرك بتنفيس الكربة وإرخاء الخناق من أنفق أنفاسه في تلاوة كتابك، وإذا ضمني البيت المظلم، والمنزل الوحش، وفارقني الخل والخدين، ونسيني المصاحب والقرين، فأفض شآبيب رحمتك، وأرسل عزالى مغفرتك على الأشلاء المتمزقة، والأجزاء المتفرقة، ولا تضحني عن ظلم يوم يبعثون، ولا تخلني من صنعك يوم يعرضون، وارحم أبوي اللذين آوياني، ولطفا بي، وعطفا على، وسهرا في، وآثراني على أنفسهما، وأشفقا على في حياتهما، ونظرا [346] إلى بعد وفاتهما، وقوما أودى وأصلحا [عوجي]، وأدباني فيك ودعواني إليك، وأعاذني بك أن أربع غير مربع، أو أفزع إلى غير مفزع، ولم تزل ترجف بي بوادرهما خشية أن