ولقد وفيت لإخواني بما وعدتهم، بعد أن عالجته وعد المتلمس، ومارسته كؤود المطلب، فتصدعت الشوامخ، وتصعدت الشواهق، حتى تركت ما كان صعب المرتقى وعلا المنحدر كالكثيب الأهيل، والطريق الملحوب بالعراء، فأوضحت ما أشكل، وفتحت منه ما استغلق. وإني وإن لم أكن لأشق غبار قوم أحرزوا فلج النصال، وجروا إلى [344] أبعد الغايات ولم يكن بي غنى عن [أخذ أسمائهم ونبيل آثارهم فتقدمت فيه بمصاص] القول ولبابه وأودعته من المعاني الغريبة التي ألقيت في حدثي، والوجوه العويصة التي وقعت في نفسي، ما لا يهى عراه ولا ينقض قواه، ولا يتزلزل بنيانه، ولا يخلخل أركانه، ثم إني لم أتخذ فيه درسا خفيا، ولا طريقا معورا، بل سلكت سبيلا بين الأعلام، واضح المنهج، كل ذلك بفضل الله ورحمته على عبد لم ير غير الكتاب مطلبا ومعتمدا، ولم يعرف سوى السنة مذهبا ومعتقدا، فهداه إلى ما هداه إليه، وأعانه على ما أعانه عليه. [وأزل] نعمه في ذلك من وراء الآمال، ومع هذا فلقد أسأرت في الأحاديث المشروحة للآخرين، كما أسأر لي فيها الأولون؛ لأن كلام النبوة سبيل لا يدفع، وبحر لا ينزف، ولا آمن فيما أوردته عن عثرة قلم، وكبوة الذهن، وهفوة الحفظ، وغفلة القلب، فأحرج على من عثر ينزف، ولا آمن فيما أوردته عن عثرة قلم، وكبوة الذهن، وهفوة الحفظ، وغفلة القلب، فأحرج على من عثر على شيء من ذلك أن يفتق رونقه، ويرقع خرقه، ويضم نشره. وإن وجد فيه مما عزوته إلى نفسي في كتاب غيري، فلا يسلكن به مسلك التقول والانتحال، ونعوذ بالله من الخيانة، فإنها بئست البطانة، وليعده من باب توارد الخواطر، ولقد استبهم على وجه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (بنت لبون أنثي) ففتشت منه بطون الدفاتر، وفاوضت فيه من صادفته بصدد الفهم من أهل العلم، فلم أصدر عن تلك الموارد ببلة، ثم إن الله- تعالى- ألهمني فيه وجه الصواب، على ما قررته في باب الزكاة من الكتاب، وبعد برهة من الدهر، كنت أتصفح كتابا لبعض علماء المغرب، فوجدته قد سبقني بالقول فيه عن نفسه أو عن غيره على شاكلة ما جئت به، ولو اطلع مطلع على القولين، لقضى على بالانتحال، وأنا أستجير بالله أن أكون خفيف العنان، قلق الوضين، يكذب شاهدي غائبي، ويخالف سريرتي علانيتي، وإذ قد علمت وتحققت بالعون والتيسير من قبل الله في إنشاء هذا الكتاب، وسميته بالميسر، ولئن صدق الأمل، واستأخر الأجل، فأنا متطلع وراء ذلك إلى الإتيان بمثله في بيان كتاب الله العزيز، ويا بعد ما يمنيني طول الأمل ويرجينى فيه نفسي، من حب الحياة، وأني لي بهذا، وقد آن تكون القريحة مكدودة، وحان أن تصير الوديعة مردودة، ويا للمنايا على الحوايا، والشيخ قد خيم بمعترك المنايا، فإن أدركت أمنيتي قبل أن تدركني منيتي؛ فهي الغاية التي ليس دونها منزع لمنية، ولا متجاوز لأمل، وإن كانت الأخرى، فلست بأول من طمع في غير مطمع:

متى إن يكن حقا، تكن أصدق المنى .... وإلا فقد عشنا بها زمنا رغدا

هذا، ونحن نعود في المختتم إلى ما بدأنا به في [345] المفتتح، فنقول:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015