الوعظ فيه تأثير بليغا. ومنه: (الإيمان يمان والحكمة يمانية) اليمن [340] ما كان عن يمين الكعبة من بلاد الغور قال أبو عبيد: مكة أرض تهامة من أرض اليمن، وبهذا سميت مكة وما وليها من أرض اليمن [تهامة] على هذا التقدير يمانية، ومنها ظهر الإيمان. قال: وفيه وجه آخر، وهو: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذا القول وهو بتبوك، ومكة والمدينة حينئذ بينه وبين اليمن، فأشار إلى ناحية اليمن، وهو يريد مكة والمدينة، وقيل: عنى بهذا القول الأنصار؛ لأنهم يمانون.

قلت: هذه وجوه متقاربة، مع ما فيها من التعمق، وبعد التناسب بين الفصل الأول والثاني، فإنه قال: (أتاكم أهل اليمن) يخاطب بذلك أصحابه، والجمهور منهم أهل الحرمين وما حولهما، فعلمنا أن المبشر بهم غير المخاطبين، ثم وصفهم بقوله: (هم أرق أفئدة) ثم أشار إلى ثمرة رقة الفؤاد ولين القلب، وهي الإيمان والحكمة.

وقوله: (الإيمان يمان) لا ينفى كونه حجازيا، وإنما ينبئ عن استعداد أهل اليمن لقبول ذلك، وفشوه فيهم واستقرار أمرهم عليه، فإنهم هم الذين فتحت بأمدادهم الشام والعراق، زمن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- والحكمة: كل كلمة صالحة تمنع صاحبها عن الوقوع في الهلكات، فلما كانت قلوبهم معادن الإيمان وينابع الحكمة، وكانت الخلتان منتهى همهم، نسب الإيمان والحكمة إلى معادن نفوسهم ومساقط رءوسهم، نسبة الشيء إلى مقره و (يمان) نسبة إلى اليمن، والألف عوض من ياء النسب، فلا يجتمعان، وكذلك يمنى، ومنهم من يجمع بين الألف وياء النسبة فيقول: يماني- بالتشديد، وقال أمية بن خلف:

يمانيا يظل يشد كيرا .... وينفخ دائما لهب الشواظ

والصحيح ما قدمناه.

وفيه: (والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل والفدادين) الفخر: المباهاة والمنافسة في الأشياء الخارجة عن الإنسان، كالمال والجاه. والفدادين يروى من وجهين- بالتشديد وهو الذين تعلو أصواتهم في أموالهم ومواشيهم، من قولهم: رجل فداد: إذا كان شديد الصوت. وبالتخفيف، وهي: البقر التي تحرث، واحدها فدان- بالتشديد- تقديره: وفي أهل الفدادين.

وأرى أصوب الراويتين بالتشديد؛ لما في حديث ابن مسعود، الذي يتلو هذا الحديث: (والجفاء والغلظ في الفدادين) والتخفيف في هذه الراوية غير مستقيم، وتقدير الحذف فيه مستبعد رواية ومعنى، فرددنا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015