ومنه قوله سبحانه: {وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا} أي: أظهرناها لهم، وقوله: (عود عود)، فقد روي بالرفع، وهكذا نرويه عن كتاب مسلم، وعلى هذا الوجه أورده المؤلف، والتقدير: وهو عود عود.
ورواه آخرون بالنصب، ورواه بعض من يرويه بالنصب بفتح العين على المصدر أي يعاد على القلب ويكرر، ولم يبعد في المعنى لو ساعدته الرواية.
ورواه بعضهم بالذال المعجمة، أي أعوذ بالله منها عوذا، ولا عبرة به فإنه تصحيف يشبه الصواب.
وفيه: (أبيض مثل الصفا). الصفا: الحجارة الصافية الملساء، وأريد به هاهنا النوع الذي صفا بياضه، وعليه نبه بقوله: (أبيض)، وإنما ضرب المثل به لأن الأحجار إذا لم تكن معدنية لم تتغير بطول الزمان، ولم يدخلها لون آخر لاسيما النوع الذي ضرب به المثل، فإنه أبدا على البياض الخالص الذي لا تشوبه كدرة.
وفيه: (والآخر أسود مرباد)، الربدة لون بين السواد والغبرة، ومنه ظليم أربد، وقد اربد اربدادا، أي: تلون وصار على لون الرماد.
ومنه الحديث: (كان إذا نزل عليه الوحي اربد وجهه).
قلت: وإنما وصف القلب بالربدة، لأنه أنكر ما يوجد من أنواع السواد، بخلاف ما يشوبه صفاء ويعلوه طراوة من النوع الخالص.
وفيه: (كالكوز مجخيا). التجخية: الميل. قال الشاعر:
كفى سوءة أن لا تزال مجخيا
وفي حديث البراء- رضي الله عنه- أنه جخى في سجوده، أي: خوى ومد ضبعيه وتجافى عن الأرض. وروى (جخ في سجوده).
قلت: وإنما ضرب المثل بالكوز المائل، لأنه إذا مال انصب [173/أ] ما فيه.
وفي بعض طرق هذا الحديث أن حذيفة أمال كفه عند التحدث بقوله: مجخيا.
قلت: أبان بالإشارة ما أريد به من المعنى، وهو أن القلب يخلو ويفرغ عما أودع فيه من المعارف ومحاسن الأخلاق والآداب.
[4018] ومنه حديثه الآخر عن- النبي - صلى الله عليه وسلم - أن: (الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ..) الحديث. جذر كل شيء بالفتح: أصله. روي عن الأصمعي. وروي بالكسر عن أبي عمرو.