قلت: أما حصر سني الوحي في ثلاث وعشرين، فإنه مما ورد به الروايات المعتد بها، مع اختلاف في ذلك وأما كون زمان الرؤيا فيها ستة أشهر فشيء قدره هذا القاتل في نفسه، لم يساعده فيه النقل، وأرى الذاهبين إلى التأويلات التي ذكرناها قد هالهم القول بأن الرؤيا جزء من [145/ب] النبوة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (ذهب النبوة) ولا حرج على أحد في الأخذ بظاهر هذا القول، فإن جزءاً من النبوة لا يكون نبوة، كما أن جزءاً من الصلاة على الانفراد لا يكون صلاة، وكذلك عمل من أعمال الحج، وشعبة من شعب الإيمان. وأما وجه تحديد الأجزاء بستة وأربعين، فأرى ذلك مما يتجنب القول فيه، وتلقى بالتسليم، فإن ذلك من علوم النبوة التي لا تقابل بالاستنباط، ولا يتعرض له بالقياس، وذلك مثلما قال في حديث عبد الله بن سرجس في السمت الحسن والتؤدة والاقتصاد إنها (جزء من أربعة وعشرين جزءاً من النبوة) وقلما يصيب مأول في حصر هذه الأجزاء، ولئن قيض له الإصابة في بعضها؛ لما يشهد له الأحاديث المستخرج منها، لم يسلم له ذلك في البقية.
[3456] ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي موسى (فذهب وهلى) الوهل بتسكين الهاء: الوهم. يقال: وهلت إليه بالفتح أهل وهلاً: إذا ذهب وهمك إليه، وأنت تريد غيره. وليس لك أن تحرك الهاء منه، لمكان الاشتباه فإن الوهل بالتحريك الفزع.
[3457] ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة: (فأوحى إلى أن أنفخهما) أنفخهما: من النفخ بالخاء المعجمة يقال: نفخته ونفخت فيه قال الشاعر:
لولا ابن جعدة لم يفتح فهندزكم .... ولا خراسان حتى ينفخ الصور
نبه بالنفخ على استحقار شأن الكذابين: أسود العنسي صاحب صنعاء، ومسيلمة صاحب اليمامة، وعلى