أخبرنى عبيد الله بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن محمد، عن أحمد بن الحارث الحراز، عن العباس بن خالد البرمكى، قال: أول ما نبغ أبو تمام الطائى أتانى بدمشق يمدح محمد بن الجهم، فكلمته فيه فأذن له، فدخل عليه، وأنشده، ثم خرج، فأمر له بدراهم يسيرة. ثم قال: إن عاش هذا ليخرجنّ شاعرا! فقلت: وما ذاك؟ قال:
يغوص على المعانى الدقاق، فربما وقع من شدّة غوصه على المحال.
أخبرنى الصولى، قال «195» : حدثنى أبو الحسن الأنصارى، قال: حدثنى ابن الأعرابى المنجّم، قال: كان أبو تمام إذا كلّمه إنسان أجابه قبل انقضاء كلامه، كأنه قد علم ما يقول فأعدّ جوابه. فقال له رجل: يا أبا تمام؛ لم لا تقول من الشعر ما يعرف، فقال: وأنت لم لا تعرف من الشعر ما يقال؟ فأفحمه.
قال الصولى: وحدثنى أبو الحسين الجرجانى، قال: الذى قال له هذا أبو سعيد الضرير بخراسان، وكان هذا من علماء الناس، وكان متصلا بالطّاهرية.
وأخبرنى عبيد الله بن سليمان الطاهرى، قال: حدثنى عمى عيسى بن عبد العزيز بن عبد الله بن طاهر، عن مشايخ أهلنا، قالوا: كان أبو العباس عبد الله بن طاهر قد رسم فى أمر من يقصده من شعراء الأطراف أن يؤخذ المديح منه، فيعرض على أبى سعيد المكفوف مؤدّب ولده أولا، فما كان منه يليق بمثله أن يسمعه من قائله فى مجلسه أنفذه أبو سعيد إليه- والقائل له معه؛ فأنشده إياه فى مجلسه. وما لم يكن بالجيد [195] أو كان مهجّنا لم يعرضه ولم ينفذه أو تقدم بين القاصد به. فلما رحل إليه أبو تمام وامتدحه بالقصيدة التى أولها «196» :
هنّ عوادى يوسف وصواحبه «197»