رفعت القصيدة إلى أبى سعيد، وكان خبر أبى تمام عنده؛ فلما قرأ الكاتب أول بيت منها ووجده:
هنّ عوادى يوسف وصوحبه ... فعزما فقدما أدرك الثأر طالبه
اغتاظ لذلك، وقال للكاتب: ألقها، أخرى الله حبيبا، يمدح مثل هذا الملك الذى فاق أهل زمانه كمالا بقصيدة يرحل بها من العراق إلى خراسان: فيكون أولها بيت نصفه مخروم والنصف الثانى عويص! وتمكّن له فى نفس أبى سعيد كراهة ذلف.
ثم إن أبا سعيد لقى أبا تمام فقال له: يا أبا تمام؛ لم لا تقول من الشعر ما يفهم؟ قال له: وأنت يا أبا سعيد؛ لم لا تفهم من الشعر ما يقال؟ وذكر باقى الحديث.
أخبرنى عبد الله بن يحيى العسكرى؛ قال حدثنى أحمد بن الحسن، قال: حدثنى على بن عبد الرحيم القنّاد قال: حضر أبو تمام عند الكندى، فقال له: أنشدنى أقرب ما قلت عهدا. فأنشده قصيدته التى يقول فيها «198» .
إقدام عمرو فى سماحة حاتم ... فى حلم أحنف فى ذكاء إياس «199»
فقال له الكندى: ضربت «200» الأقلّ مثلا للأعلى. فأطرق أبو تمام ثم قال على البديه:
لا تنكروا ضربى له من دونه ... مثلا شرودا فى النّدى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره ... مثلا من المشكاة والنّبراس
وأخبرنى الصولى، قال: حدثنى محمد بن يحيى بن أبى عباد، قال: حدثنى أبى، قال: شهدت أبا تمام ينشد أحمد بن المعتصم قصيدة مدحه بها، فلما بلغ إلى قوله: إقدام عمرو فى سماحة حاتم ... البيت. وقال- أراد إياس بن معاوية- فقال له الكندى، وكان حاضرا وأراد الطعن عليه: الأمير فوق ما وصفت. فأطرق قليلا ثم زاد فى القصيدة