قال: وهذه الأبيات للأعلم كلّها، فأدخلها الفرزدق فى قصيدته:
عزفت بأعشاش [وما كدت تعزف ... وأنكرت من حوراء ما كنت تعرف] «101»
مع ما سرق من جميل فيها. قال: فقال له الفرزدق: اذهب فخذها من الرّواة.
قال: فخلّى سبيله.
وأخبرنى عبد الله بن يحيى العسكرى، قال: حدثنا أحمد بن محمد الأسدى، قال:
حدثنا ابن النطاح، قال أبو عبيدة: كان الفرزدق يجتلب القصيدة، ويجتلب المعنى؛ فجاء رجل من قيس إلى محمد بن رباط، فاستعدى على الفرزدق- وقد سلم الفرزدق ثم خرج- فقال محمد: ادعوا الفرزدق، فجاء؛ فقال الفرزدق: سل هذا فيم يستعدى علىّ. قال: غلبنى على قصيدة عمّى الأعلم. فقال: أشهدكم أنى قد رددتها. فقال محمد: نحوّهما.
حدثنى يوسف بن يحيى بن على المنجّم، عن أبيه، قال: إنما فعل الفرزدق بجميل وذوى الرمة وغيرهما هذا، لأنه لما مرّ به شعر جيد رأى نفسه أحقّ به من قائله؛ لفضله عليه فى الشعر، ولأنه من جنس جيّده لا ردىء قائله.
حدثنى عبد الله بن يحيى العسكرى، قال: حدثنا أحمد بن محمد الأسدى، قال:
حدثنا محمد بن صالح بن النّطاح، قال: حدثنى أبو اليقظان، قال: مرّ رجل من بنى ربيع بن الحارث على الفرزدق وهو ينشد قصيدة له، وقد اجتمع الناس عليه، فمرّ فى أبيات كما هى للمخبّل قد سرقها، قال: فقلت: والله لئن ذهبت قبل أن أعلمه إنّ هذا لشديد، ولئن قلت له قدّام الناس ليفعلنّ بى. فقلت: أكلمه بشىء يفهمه هو، ولا يدرى الناس ما هو؛ فقلت: يا أبا فراس، قصيدتك هذه نثول. فقال: اذهب عليك لعنة الله، وفطن، ولم يفطن الناس.
ومعنى نثول: أن البئر إذا حفرت ثم كبست ثم حفرت ثانية قيل لها نثول. فيقول:
قصيدتك حييت بعد ما ماتت.