الجزء الثامن
تأليف:
أ. د. محمد حرب
رئيس المركز المصري للدراسات العثمانية وبحوث العالم التركي
الفصل الأول
استولى «جنكيزخان» فى الربع الأول من القرن الثالث عشر الميلادى
على شمالى «الصين»، وبدأ زحفه نحو «تركستان» التى نجحت
قواته المغولية فى اجتيازها، واقتربت من «إيران»، وكانت تلك
القوات تثير الفزع والرعب فى نفوس الناس، لقيامها بالأعمال
الوحشية التى لم تعهدها البشرية من قبل.
وفى أثناء هذه الفترة المضطربة، المشوبة بالخوف والهلع، كان فى
جنوب «صحراء قراقورم» بشمالى «الصين» ما يقرب من (70) ألف
خيمة بدوية، يسكنها نحو نصف مليون إنسان من الأتراك المسلمين،
من بينهم عشيرة صغيرة، تُسمى «قايى»، وقد اضطر هذا الجمع
الكبير إلى هجرة أوطانهم عندما أحسُّوا بقرب خطر المغول، فعبروا
«إيران» واقتربوا من «الأناضول» غير أنهم لم يستقرُّوا جميعًا فيها،
بل استقر بعضهم فى «العراق الشمالى»، وبعضهم فى غربى
«إيران»، وبعضهم الآخر فى «القوقاز»، فى حين واصلت عشيرة
«قايى» الصغيرة هجرتها نحو «الأناضول» وكان عددها نحو (4000)
فرد.
كان يرأس هذه العشيرة رجل تركى يدعى «كوندوز ألب»، ثم خلفه
فى رئاستها بعد وفاته ابنه «أرطغرل» والد الأمير «عثمان» مؤسس
الدولة العثمانية التى عرفت باسمه.
وفى أثناء ذلك دارت فى منطقة «أرزنجان» (الواقعة الآن فى
الشمال الشرقى لتركيا) معركة سميت باسم «ياسى جمن» بين
سلطان «قونية» السلجوقى، و «جلال الدين خوارزم شاه» خاقان
«تركستان» وكاد سلطان قونية أن ينهزم، لولا تدخل عشيرة
«قايى» بقيادة «كوندوز ألب» فأقاله من عثرته، وكان سببًا فى
نصره، ولم تكن هذه العشيرة تعلم من أمر القتال شيئًا، لكنها تدخلت
نجدة للملهوف ونصرة للضعيف.
عرف سلطان «قونية» أن هذه العشيرة تبحث عن وطن، فأقطعها
ثغرًا على الحدود بين سلطنته (الدولة السلجوقية) فى «الأناضول»
وبين الإمبراطورية البيزنطية، تقديرًا لقوتهم وشجاعتهم وبراعتهم
الحربية.
وفى سنة (651هـ = 1253م) تُوفِّى «كوندوز ألب» وخلفه ابنه