وفى سنة (185هـ = 801م) سير «شارلمان»، جيشًا لغزو «برشلونة»،
وكان الحكم مشغولا بمطاردة الخارجين عليه، فلم يتمكن من نجدة
المدينة، فسقطت بعد كفاح مشرف، وقد استقل حكام القوط بهذه
المنطقة عن الفرنج بعد فترة وأنشئوا إمارة «قطلونية» النصرانية،
التى اتحدت مع مملكة أراجون، وتمكنوا من غزو الجانب الشرقى من
مملكة الإسلام فى الأندلس، وخسر المسلمون بذلك حصنًا منيعًا،
وارتدت حدود الأندلس إلى الثغر الأعلى بعد أن كانت قد تجاوزت
جبال البرت.
ولم تهدأ العواصف والثورات ضد الحكم، فاكتشف فى سنة (189هـ =
805م) مؤامرة للإطاحة به، لكنه أحيط علمًا بما يدبره خصومه فقضى
عليهم، وأعدم (72) منهم فى صورة بالغة القسوة، مما أثار غضب
أهل قرطبة وحنقهم عليه، كما قضى على الثورات المتكررة التى قام
بها أهالى طليطلة، مستخدمًا أسلوب القتل والاغتيال، حتى إن واليه
على طليطلة أعد وليمة دعا إليها كبار زعماء طليطلة، ثم أعدمهم،
وألقى جثثهم فى حفرة خلف القصر سنة (191هـ = 807م)، وفى تلك
الأثناء غزا الفرنج الثغر الأعلى وحاصروا مدينة «طرطوشة» لكن
المسلمين تمكنوا من هزيمتهم، وإنقاذ المدينة المحاصرة سنة (193هـ
=809م)، كما توالت حملات النصارى على أطراف الثغر الأدنى
والمنطقة التى بين نهرى دويرة والتاجة لبعدها عن قرطبة، وضعف
وسائل الدفاع عنها، وعانى المسلمون كثيرًا فى تلك المناطق من
جراء تلك الغزوات، ولما بلغت الأنباء مسامع «الحكم بن هشام» خرج
بنفسه سنة (194هـ = 810م) على رأس جيشه، وهزم النصارى فى
عدة مواقع وأسر وغنم غنائم كثيرة، كما أرسل فى العام التالى
جيشًا إلى الثغر الأعلى، غزا قطالونية، وهاجم برشلونة، وانتهى
الأمر بصلح دام حتى وفاة «شارلمان» سنة (198هـ= 814م)، ثم كانت
آخر غزوات الحكم سنة (200هـ = 815م) إلى «جليقية» حيث توغل
المسلمون فيها، ونشبت بينهم وبين النصارى مواقع حربية، انتهت
بهزيمة النصارى وارتدادهم إلى الداخل.