واتخذ منهم هشام كبار قضاته ومستشاريه، وشيئًا فشيئًا أصبح
المذهب المالكى هو المذهب الرسمى للدولة.
وحرصت الإمارة الأندلسية على جعل اللغة العربية لغة الدواوين
الرسمية، ولغة الدرس والتعليم، ولم تكن تقبل إلا ما هو عربى، وكان
ذلك اتجاهًا عاما سار عليه الأمويون فى حياتهم وتبعهم الناس فى
ذلك، وبلغ من اهتمام هشام بالعربية أن جعلها لغة نصارى الأندلس
ويهودها، وترجم إليها الكتاب المقدس ونصوص الصلوات، وساعد ذلك
كله على التحول إلى الإسلام، وانتشار اللغة العربية وأصبحت الأندلس
مركزًا من أهم مراكز الحضارة العربية.
ويكاد يجمع المؤرخون على أن «هشاماً» كان رقيقًا تقيا، صارمًا
فى الحق، محبا للجهاد، أنفق كثيرًا من الأموال فى فداء الأسرى،
كما كان شغوفًا بالإصلاح والتعمير، فأتم بناء مسجد قرطبة الجامع،
وأنشأ مساجد أخرى، وزين «قرطبة» بكثير من الحدائق والمبانى،
وجدَّد قنطرة قرطبة التى بناها «السمح بن مالك»، ونظَّم وسائل
الرى، وجلب إلى الأندلس الأشجار والبذور.
وكان هشام يحب مجالس العلم والأدب، وبخاصة مجالس الفقه
والحديث، فقرَّب إليه الفقهاء والعلماء، وبوَّأهم أهم المناصب، خلافًا
لما كان عليه زمن والده، وقد ترتب على ذلك نتائج سياسية
واجتماعية ظهرت فيما بعد.
الحكم الأول بن هشام المعروف بالربضى [180 - 206هـ = 796 - 822م]
بدأ «الحكم» عهده بالجهاد ضد البشكنس (ثافارا)، لكنه اضطر إلى
تركه لمواجهة الثورات التى اشتعلت ضده فى الثغر الأعلى سنة
(181هـ = 797م)، وكان عمَّاه «سليمان» و «عبدالله» قد أتيا إليها
سرا واتصلا بملك الفرنج وطلبا مساعدتهما، ولما علم «الحكم» سار
بجيوشه إلى الشمال، فاضطر الفرنج إلى الانسحاب، فأحكم سيطرته
على هذه المناطق، وفى هذه الآونة حاول عمَّاه الإغارة على
قرطبة، فعاد الحكم وهزمهما، وقتل «سليمان»، على حين فرَّ «عبد
الله» إلى «بلنسية» والتزم الهدوء طوال فترة الحكم.