ولقد بذل المماليك جهودًا كبيرة فى تأمين طرق الحج، والمحافظة

على حجاج بيت الله الحرام من المعتدين وقطاع الطرق، وقام

السلاطين بإصلاح طرق الحج، وحفر آبار جديدة لكى يأمن الحجاج

من العطش أثناء رحلتهم لقضاء المناسك ذهابًا وإيابًا، وكان يصحب

قافلة الحجاج المصريين كثير من الأمراء والقادة وتابعيهم للدلالة على

قوة السلطنة المملوكية، وكانت هذه القافلة تحمل معها كسوة

الكعبة التى صنعت فى «مصر»، والتى حرص السلاطين على إرسالها

كل عام فى موكب مهيب، وأوقفوا عليها الأوقاف كى لا تنقطع،

وكى تظل تأكيدًا على نفوذ المماليك فى «الحجاز»، وحينما حاول

«شاه رخ» أن يكسو الكعبة فى عهد السلطان «برسباى» وطلب

السماح له بذلك، رفض «برسباى» بشدة ومن ورائه الشعب والقضاة

والعلماء، لأن كسوة الكعبة شرف يمثل أقوى الروابط الإسلامية فى

نظرهم، ولا يمكنهم التخلى عنه. وقد حرص سلاطين المماليك على

أداء فريضة الحج وزيارة الأراضى المقدسة بالحجاز؛ لكى يكونوا من

بين حجاج بيت الله الحرام دون أية أبهة أو عظمة كسائر الناس.

كانت الحياة الاجتماعية فى الحرمين فى عهد المماليك حياة هادئة

باستثناء سنوات قليلة تعرضت فيها «الحجاز» للقحط، ولم يكن

للمماليك يد فى ذلك، فقد أجروا السبل، وحفروا الآبار والعيون

حفاظًا على مدن «الحجاز» خاصة الحرمين الشريفين.

لم يقتصر دور المماليك فى «الحجاز» على الحرمين الشريفين؛ بل

كانت لهم اليد الطولى فى إثراء الناحية الثقافية بالحجاز، وأقاموا

المدارس، وبذلوا الأموال للمدرسين والدارسين معًا، وكثيرًا ما أرسلوا

الكتب من «مصر» لكى تدرس فى الحرمين، ويُستفاد منها فى تلك

المدارس التى ربطوا لها الأوقاف الكثيرة للإنفاق عليها؛ لذا كان

عهدهم عهد ازدهار واستقرار للحرمين الشريفين وسكانهما، فقد

كفاهم المماليك شرور الغزو، وتسلط الأعداء.

وإنصافًا لحق سلاطين الدولة المملوكية لا يجب أن نلقى عليهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015