كانت وفاة «صلاح الدين» سنة (589هـ)، وكان تقسيم المملكة بين
أبنائه وأخيه «العادل» بداية لتطورات جديدة فى العلاقات الأيوبية
الحجازية، فقد ازداد تدخل الأيوبيين فى شئون «الحجاز» الداخلية؛
بسبب النزاع الذى نشب بين «مكثر» حاكم «مكة»، وأخيه «داود»،
ولم ينته الصراع بينهما حتى مات «مكثر»، فخلفه «أبو عزيز قتادة
بن إدريس الحسنى» المعروف بالنابغة، والذى كان يستوطن مع أهله
«نهر العلقبة» من «وادى ينبع» وأصبحت له الرئاسة على قومه،
وباتت فى يديه أزمَّة أمورهم، وبلغه ما صارت إليه حال الهواشم من
خلافات، فزحف على «مكة»، ثم تطلع إلى زعامة «المدينة» التى
كانت تتوارث بين أفراد الفرع الحسينى من الأسرة العلوية، فزحف
إلى «المدينة»، إلا أنه لم يستطع دخولها؛ فعاد إلى «مكة» ثانية.
عظم فى هذا الوقت أمر «بنى رسول» فى «اليمن» بعد وفاة
السلطان «مسعود الأيوبى» سنة (626هـ)، وحاولوا بسط نفوذهم
على «مكة» و «المدينة»، وتمكنوا من السيطرة على «مكة» وظلت
تحت أيديهم إلى سنة (630هـ)، حتى جاء «الشريف راجع» وتمكن من
استرجاعها منهم بشرط أن يظل تحت نفوذهم (نفوذ «آل رسول»).
شهد تاريخ «مكة» و «المدينة» بعد وفاة «الكامل» فى سنة (635هـ)،
نزاعًا متصلا بين «آل رسول» والأيوبيين وظل الأمر على ذلك حتى
وفاة «الشريف راجع»، فرأى «ابن رسول» أن يصرف نظره عن
أبناء «راجع» الذين ولَّوْا «أبا نهى» بعد أبيه «الحسن بن قتادة»
بالاشتراك مع عمه «إدريس»، فشغل «أبو نهى» وأولاده من بعده
الشرافة فى «مكة» و «المدينة» قرنًا من الزمان تقريبًا.
وهكذا كانت «الحجاز» مرتبطة بمصر ارتباطًا وثيقًا فى بداية عهد
الدولة الأيوبية، وزاد من هذا الارتباط أن سلاطين الأيوبيين الأوائل لم
يتدخلوا فى شئون «الحجاز» الداخلية، واكتفوا بتأمين حجاجها،
وتوفير العدل والأمان لأهلها، إلا أن وفاة «صلاح الدين»، والصراع