ولعل أبرز ما يميز «الدولة الغزنوية» عن مثيلاتها من الدول المستقلة
فى شرق العالم الإسلامى هى نهضتها الثقافية، التى ازدهرت على
أيدى أمرائها الذين قدَّروا رجال الأدب، وعملوا على تشجيعهم
والعناية بهم، فقد كان كل أمير يريد أن يحيط نفسه برجال العلوم
والفنون؛ ليتفوق على أقرانه، وبرزت «غزنة» فى أواخر القرن
الرابع الهجرى كمركز إشعاع كبير فى جنوبى غرب «آسيا»، بفضل
تشجيع السلاطين الغزنويين الذين لم يألوا جهدًا فى سبيل رفع شأن
العلوم والفنون فى دولتهم، واستطاع السلطان «محمود الغزنوى» أن
يضم إليه رجال العلم والأدب الذين كانوا يحيطون بأمراء البلاد
المجاورة، وزيَّن «غزنة» بأجمل ما حصل عليه من مغانم «الهند»،
وأعاد تشييد مسجدها الجامع، وأضاف إليه مدرسة كبيرة، ووضع
بها مؤلفات وتصانيف نقلها من خزائن الملوك السابقين فى العلوم
كافة، ليقوم علماء «غزنة» وفقهاؤها بدرسها وتدريسها.
وجدير بالذكر أن السلطان «محمود بن سبكتكين» كان مولعًا بعلم
الحديث، ويستمع إلى علمائه، ويستفسر عما يتلونه عليه من
أحاديث، وكان يستدعى إلى «غزنة» كل من له سعة فى العلم
والأدب والشعر، مثل «بديع الزمان الهمذانى» صاحب فن المقامات،
قال عنه «الثعالبى»: «إنه معجزة همذان، وغرة العصر، كان ينشد
القصيدة إذا سمعها مرة واحدة، ويترجم ما يستمع إليه من الأبيات
الفارسية المشتملة على المعانى الغريبة إلى الشعر العربى، فيجمع
فيها من الإبداع والإسراع». ومنهم أبو ريحان محمد بن أحمد
البيرونى (362 - 440هـ) الذى يعد من أعظم رجال الحضارة الإسلامية
وأبرزهم، وقد نال تقديرًا علميا كبيرًا، وترجمت كتبه إلى اللغات
الأوربية، وسمَّت روسيا جامعة حديثة باسمه وأقيم له تمثال فى
جامعة موسكو، وأصدر اليونسكو وبعض جامعات أمريكا وألمانيا
فهارس بأعماله.
وكذلك ظهر عشرات العلماء والفقهاء والشعراء فى «الدولة