والجبال وغيرها، أما بغداد - بعد انتقاله إليها - فقد حظيت منه
باهتمام بالغ، يذكر المؤرخ ابن الأثير فى تناوله لأحداث سنة (369هـ
= 979م) أن عضد الدولة شرع فى عمارة بغداد فى ذلك العام،
وكانت قد خربت بتوالى الفتن عليها، فعمَّر مساجدها وأسواقها ..
وألزم أصحاب الأملاك الخراب بعمارتها، وجدد ما دثر من الأنهار
وأعاد حفرها وتسويتها، وأصلح الطريق من العراق إلى مكة .. واهتم
اهتمامًا كبيرًا بمشهد الإمام على والإمام الحسين رضى الله عنهما ..
وأذن لوزيره «نصر بن هارون» -وكان نصرانيًا - فى عمارة البيَع
والأديرة.
ومن بين الإنجازات العمرانية المهمة التى قام بها عضد الدولة فى
بغداد بناؤه لمستشفاه الكبير الذى عرف باسم «البيمارستان
العضدى»، وقد كان فى هذا المستشفى عند إنشائه أربعةوعشرون
طبيبًا فى التخصصات المختلفة، وكان أشبه ما يكون بالمستشفيات
التعليمية الجامعية فى عصرنا هذا؛ فقد كانت المحاضرات تلقى فيه،
وتدرس فيه الكتب ذات المكانة العلمية، وكان لهذا المستشفى مورد
ماء مستمد من دجلة، وله جميع الملحقات التى تزود بها القصور
الملكية كما بنى عضد الدولة فى شيراز مستشفى آخر عرف أيضًا
باسم «البيمارستان العضدى»، وأقام صهاريج الماء فى أماكن
مختلفة من مملكته. وبنى سورًا حول مدينة الرسول - صلى الله عليه
وسلم -.
وتتميز الدولة السلجوقية كذلك بنشاطها العمرانى الكبير فى مجالاته
المختلفة، ويبرز فى هذا الجانب بصفة أخص «ملكشاه» ووزيره
العظيم «نظام الملك»، فقد أنشأ «نظام الملك» مدارسه النظامية
المعروفة، وزودها بكل احتياجات طلابها، ووجد فى ذلك كل تشجيع
من السلطان السلجوقى المتميز «ملكشاه».
والملاحظ أن النشاط العمرانى فى دولة الخلافة العباسية فى العصر
الثانى كان يقوم به فى الأساس أمراء وسلاطين وملوك الدول التى
كانت تخضع للخلافة العباسية خضوعًا روحيا أو شكليا، أما الخلفاء -