أبو العلاء إمام الشعراء الذين صبغوا شعرهم بصبغة تأملية فلسفية.
وبجانب أصحاب الإبداع الشعرى ظهر مبدعون كثيرون فى ميدان
النثر الفنى فى العصر العباسى الثانى، ففى مطلع هذا العصر لمع
اسم الجاحظ (أبى عثمان عمرو بن بحر) المتوفى بالبصرة سنة
(255هـ = 869م). والجاحظ إمام المنشئين فى تاريخ الأدب العربى بلا
جدال.
كان على مذهب المعتزلة وكان موسوعى الثقافة متجدد الفكر، وقد
ترك أسلوبه بصمات واضحة على أساليب كثير ممن جاءوا بعده،
ومؤلفات الجاحظ عديدة وذائعة، تنمّ عن ذهن ناضج وفكر متدفق،
ومن أشهر كتبه: كتاب «الحيوان» و «البيان والتبيين» و «البخلاء».
وله رسائل مختلفة طبعت تحت اسم «رسائل الجاحظ»، وهى تتناول
موضوعات شتى.
ومن أبرز الذين تأثروا بالجاحظ وحاولوا أن ينهجوا نهجه أبو الفضل
محمد بن العميد المتوفى سنة (360هـ = 971م)، ولتمكنه فى فن
الإنشاء عرف باسم «الجاحظ الثانى»، وهو الذى قيلت فيه العبارة
المشهورة: «بدئت الكتابة بعبدالحميد وختمت بابن العميد»، وعبدالحميد
هنا هو: عبدالحميد بن يحيى كاتب مروان بن محمد آخر الخلفاء
الأمويين، عاش ابن العميد فى ظل البويهيين وعمل وزيرًا لركن الدولة
- الحسن بن بويه - وكان - كما يصفه ابن خلكان - «متوسعًا فى علوم
الفلسفة والنجوم، وأما الأدب والترسُّل فلم يقاربه فيه أحد فى
زمانه». ويصفه ابن الأثير بأنه كان من محاسن الدنيا، قد اجتمع فيه
ما لم يجتمع فى غيره من حسن التدبير وسياسة الملك، والكتابة التى
أتى فيها بكل بديع».
وقد صحب ابن العميد وتأثر به فى طرائقه «أبو القاسم إسماعيل بن
عباد» المعروف بالصاحب بن عباد. ولقب بالصاحب لصحبته لابن
العميد، وكان يقال له أحيانًا صاحب ابن العميد. وقد تولى الصاحب
بن عباد الوزارة لمؤيد الدولة بن ركن الدولة ثم لأخيه فخر الدولة،
وفضلاً عن براعة الصاحب فى فن الإنشاء - كأستاذه ابن العميد - فقد