وكان من الطبيعى أن يقوم «السلاجقة» بالتصدى لتلك الحروب

وحماية العالم الإسلامى من أخطارها، ولكن ذلك لم يحدث بسبب تمزق

دولتهم بعد وفاة «ملكشاه»، واشتعال الصراع فيما بينهم للسيطرة

على «الشام»؛ مما أدى إلى اضطراب الأمور وإتاحة الفرصة لنجاح

الحملة الصليبية الأولى (1096 - 1099م = 489 - 491هـ).

فقد اكتسح الصليبيون قوات «سلاجقة» الروم فى «آسيا الصغرى»

بقيادة الحاكم السلجوقى «قلج أرسلان»، ثم تقدموا فى اتجاه مدينة

«الرهابين»: «الموصل» و «الشام»، فاستولوا عليها وتوجَّهوا إلى

«أنطاكية» فحاصروها حتى استسلمت وفر أميرها السلجوقى

«باغى سيان»، وساروا بعد ذلك إلى «معرة النعمان» التى ينتسب

إليها الشاعر المشهور «أبو العلاء المعرى»، فحاصروها حتى

استسلم أهلها فقتلوا منهم ما يزيد على مائة ألف، ثم جاء فتح

الصليبيين الأكبر بالاستيلاء على «بيت المقدس» فى (رمضان سنة

492هـ = يوليو سنة1099م) بعد محاصرته عدة أسابيع، وارتكب فيه

الصليبيون مذبحةً تقشعر لها الأبدان؛ حيث قتلوا ما يزيد على سبعين

ألفًا منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعُبَّادهم

وزهَّادهم، الذين كانوا يتعبدون بجوار «بيت المقدس».

وقد وقف «السلاجقة» عاجزين أمام طوفان الصليبيين، فقد كانت

أوضاع دولتهم تنتقل من سيئ إلى أسوأ، وكانت الخلافة العباسية

جسمًا بلا روح، ولم يكن وضع الفاطميين فى «مصر» يتيح لهم

مواجهة الصليبيين.

وظل الأمر كذلك حتى ولى السلطان «محمود بن محمد بن ملكشاه»

«عماد الدين زنكى» إمارة «الموصل» والبلاد التابعة لها، فكان ذلك

فاتحة خير للمسلمين؛ حيث استطاع «عماد الدين زنكى» مد نفوذه

إلى «الجزيرة» و «الشام»، فاستولى على «حلب» سنة (522هـ =

1128م)، وعلى «حماة» سنة (523هـ = 1129م)، ونذر نفسه للجهاد

المقدس ضد الصليبيين، وكان أعظم إنجاز حققه «زنكى» فى هذا

المجال استرداده مدينة «الرها» من الصليبيين فى (جمادى الآخرة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015