الحصار، وكانوا فى موقف عصيب بالغ الصعوبة، فالمشركون
من فوقهم يحيطون بالخندق، وبنو قريظة أسفل منهم قد نقضوا
العهد، والمنافقون فى المدينة يرجفون، ويخذلون الناس، واشتدَّ
الخوف، وعظُم البلاء، وزُلزل المسلمون زلزالاً شديدًا. وصفه الله -
تعالى - أدق وصف بقوله: {إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل
منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله
الظنونا هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديداً
(الأحزاب:10 - 11) اجتهد النبى - صلى الله عليه وسلم - فى تفريج
الكرب عن المسلمين، فاتصل بقبائل «غطفان» وعرض عليها ثلث
ثمار «المدينة» على أن يعودوا إلى ديارهم ويتخلوا عن «قريش»
فوافقوا، وعرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا الأمر على
الأنصار، فسألوه إن كان هذا أمرًا من الله فليس لهم أن
يخالفوه، أما إذا كان اجتهادًا من أجلهم فلن يوافقوا عليه،
فأعلمهم أنه اجتهاد منه لمصلحتهم ولتفريق الأحزاب عنهم، فأبوا
وعزموا على مواصلة الجهاد والدفاع عن بلدهم، فأوقف النبى
- صلى الله عليه وسلم - المفاوضات مع «غطفان» نزولا على رأى
أصحابه. وفى هذه اللحظة لاحت فرصة عظيمة حيث جاء إلى
الرسول - صلى الله عليه وسلم - رجل من غطفان اسمه نعيم بن مسعود الأشجعى - وكان
قد أسلم وقدم مع الأحزاب دون أن يعلموا - يعرض عليه أن يأمره
بما يشاء للتخفيف عن المسلمين، فأمره الرسول - صلى الله عليه
وسلم - أن يفرق بينهم وبين «بنى قريظة»، الذين نقضوا عهدهم
مع النبى - صلى الله عليه وسلم - واتفقوا مع الأحزاب على
الانضمام إليهم حين تبدأ الحرب، وقد نجح «نُعيم» فى مسعاه
نجاحًا عظيمًا، وزرع الشكوك فى قلوب الأحزاب و «بنى قريظة»
تجاه بعضهم بعضًا وفرق كلمتهم، ثم أرسل الله ريحًا شديدة
قلعت خيام المشركين، وكفأت قدورهم، وانقلب الموقف كله
بفضل الله - تعالى - عليهم، وأدرك «أبو سفيان بن حرب» قائد
الأحزاب ألا فائدة من البقاء، فأمرهم بالرحيل فرحلوا، وقد علق