خليفة فاطمى تولى الخلافة عقب وفاة والده «الظاهر» فى
جمادى الآخرة سنة (427هـ)، ويُعدُّ أطول الخلفاء عهدًا، إذ
قضى بالخلافة نحو ستين سنة، لم تكن على وتيرة واحدة، حيث
وصف «ناصر خسرو» «مصر» فى أوائل عهد المستنصر بقوله:
«كانت تتمتع بالرخاء، وأن الشعب محب لخليفته». وفى الفترة
الأولى من عهده بلغ النفوذ الفاطمى أقصى مداه، إذ دُعى
للخليفة على منابر بلاد الشام و «فلسطين» و «الحجاز» و «اليمن»،
بل دُعِى له فى «بغداد» حاضرة العباسيين نحوًا من سنة،
ودُعى له - أيضًا - فى «صقلية» و «شمال إفريقية». وكما شهد
«المستنصر» مجد دولته، شهد أيضًا تقلُّصَ نفوذه، فقد زالت
سلطة الفاطميين فى بلاد «المغرب الأقصى» سنة (475هـ)،
واستولى النورمانديون على «صقلية»، وخلع أميرا «مكة»
و «المدينة» طاعتهما - من قبل - فى سنة (462هـ)، وانقطع ماء
النيل، وحدث ما عُرِف فى عهده بالشدة العظمى أو المستنصرية
، وغلت الأسعار، وانتشرت المجاعات والأوبئة حتى قيل إنه كان
يموت بمصر كل يوم عشرة آلاف نفس، ووصل الحال بالناس إلى
أكل القطط والكلاب، فلما لم يجدوها بعد ذلك كان بعضهم يحتال
على خطف بعضهم الآخر ليذبحه ويأكله، وبلغت الشدة منتهاها،
وباع المستنصر جميع ممتلكات قصوره، وقام صراع عنيف بين
الأتراك والسودانيين، وظل الجنود فترة طويلة لا يتقاضون فيها
رواتبهم، فنهبوا قصور الخلفاء، واستولوا على ما فى المكتبات
ودور العلم من مؤلفات باعوها بثمن بخس، واتخذوا من جلودها
نعالا وأحذية، واستولى «ناصر الدولة ابن حمدان» زعيم الجند
الأتراك على مقاليد الأمور، وهدد بإزالة الخلافة الفاطمية، بل
حذف اسم الخليفة من الخطبة فى بعض المناطق، ووصلت الحال
بالخليفة إلى درجة أنه لم يتمكن من حماية أمه من دخول السجن،
ففرت مع بناتها إلى «بغداد» طلبًا للحماية، واستمرت هذه الشدة
تسع سنوات، حتى جاء «اليازودى»، فعالج الأمور، وضبط