و «ابن بطوطة» الذى أمدنا بوصف دقيق لعدد من المدن الإفريقية
وأحوال سكانها المسلمين، ولاسيما «مقديشيو»، التى زارها عام
(1332م) و «زيلع» التى قال عنها: «إنه يسكنها طائفة من السودان
شافعية المذهب وهى مدينة كبيرة، لها سوق عظيمة لها رائحة غير
مستحبة بسبب كثرة السمك ودماء الإبل التى ينحرونها فى الأزقة
والطرقات».
ثم أقلع «ابن بطوطة» إلى «مقديشيو» واستقر بها أسبوعًا، وأتيح
له أن يتصل بقاضيها وعلمائها وسلطانها الشيخ «أبى بكر ابن
الشيخ عمر» الذى استضافه مدة إقامته، وقد أمدنا بمعلومات كثيرة
عن طعام أهلها وفاكهتها وملابس شعبها وتقاليد سلطانها فى
مواكبه ومجالسه، وعن مجالس الفقهاء والعلماء وذوى الرأى، وعن
كيفية نظرهم فى شكوى الناس، وتطبيقهم للشريعة الإسلامية.
بعد ذلك يصف «ابن بطوطة» الازدهار الاقتصادى الذى كانت تنعم به
سلطنة «مقديشيو» الإسلامية فيقول: «إن هذه المدينة مدينة واسعة
كبيرة يمتلك أهلها عددًا وافرًا من الجِمال والماعز، ينحرون منها
مئات كل يوم، وإنهم تجار أغنياء أقوياء، بعضهم يقوم بصناعة ثياب
جميلة لا نظير لها تُصدَّر إلى مصر وغيرها من البلاد». وكى يشجعوا
التجار على القدوم إلى بلادهم كان من عادتهم أنه متى وصل مركب
أو سفينة محملة بالتجار والبضائع إلى ميناء «مقديشيو» يركب
شباب هذه المدينة فى قوارب صغيرة ويحمل كل منهم طبقًا مُغطى
فيه طعام، فيقدمه لتاجر من التجار القادمين على هذه السفن ويقول
«هذا نزيلى» فينزل معه هذا التاجر إلى داره، ويساعده هذا الشاب
فى عمليات البيع والشراء، مما أدى إلى رواج تجارتهم مع الأقطار
الخارجية.
وقد استمرت سيادة «مقديشيو» على ساحل «بنادر» حتى القرن
السادس عشر الميلادى حينما فقدت أهميتها وانحطت منزلتها كمركز
تجارى، خاصة بعد انتشار التجارة بين عدة مدن ساحلية أخرى
منافسة لمقديشيو، وتعرضها والمنطقة للخطر البرتغالى، فقد ضرب