يمنعون مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، ويسعون في خرابها، ومثله لا يصح له أن يزعم أنّه لا يدخل الجنة غيره، وإنّما جزاؤه الخزي في الدنيا، وله في الاخرة عذاب عظيم. ثم ذكر أنّ له المشرق والمغرب، وأنّ الناس أينما يولّوا وجوههم فثمّ وجهه، فلا يصحّ أن يسعى في خراب المساجد لاختلاف قبلتها، كما فعل النصارى مع اليهود في بيت المقدس. ثمّ ذكر، إلى هذا، من قبائح النصارى، أنهم يزعمون أنّ لله ولدا، وهو من الكفر الذي لا يصحّ لصاحبه أن يطمع في دخول الجنة، وردّ عليهم هذا بأنّ له ما في السماوات والأرض كلّ له قانتون بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) .
ثم قال تعالى: وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) فذكر مقالتهم السادسة، وهي قول بعضهم للنّبي (ص) : يا محمد، إن كنت رسولا من الله، كما تقول، فقل لله فليكلمنا حتّى نسمع كلامه. وقد ردّ عليهم بأنّ هذا من التعنّت الذي يسلكه من جاء قبلهم مع رسلهم، وبأنه قد أرسله بالحق بشيرا ونذيرا، وليس عليه إلّا أن يبلّغه، ولا يسأل بعد هذا عن تعنّتهم وكفرهم، لأنّهم لا يرضون عنه حتى يتّبع ملتهم، ولأنّ الهدى هداه ولو شاء لهداهم، وبأنّ المنصفين منهم يؤمنون بما أنزل إليه، ويعرفون أنه الرسول المبشّر به. ولما كانت هذه شهادة منهم وفيها أكبر حجة عليهم، عاد السياق إلى تذكيرهم ثالثا بنعمته سبحانه عليهم وتفضيلهم على العالمين، وتخويفهم من يوم لا يغني فيه أحد عن أحد شيئا ليحملهم على الإقرار بهذه الشهادة، ثم شرع في ذكر قصة إبراهيم وإسماعيل (ع) وبنائهما البيت بمكّة، إلى أن ذكر دعاء إبراهيم له أن يبعث في أهلها رسولا منهم يعلّمهم الكتاب والحكمة، ليدلّهم على موضع البشارة به في كتبهم، ويحملهم على الإقرار بها كما أقرّ بها من آمن منهم. ثمّ ذكر لهم أنّ الملّة هي ملّة إبراهيم التي لا يرغب عنها إلّا من سفه نفسه، وهي دين التوحيد الخالص الذي