الأزهر، فى احتفال المسلمين هناك بمضى مائة عام على بناء أول مسجد فى جنوب إفريقيا، وكان تفسير العلماء هناك لهذه الظاهرة أن ماء المحيط الأطلنطى بارد بمقدار ثلاث درجات عن مثيلاتها من مياه المحيط الهندى فيتخلق هذا البرزخ المائى العظيم بسبب هذا الفرق الواضح بين درجتى حرارة المحيطين العظيمين.
إن منن الله العظمى فى المياه التى تكسو وجه الأرض لا يمكن أن تحصى أو تستقصى.
ومن خير ما نختتم به منة الله فى كتابه العزيز بالمياه عامة، وبالعذبة منها خاصة.
تلك المنة العظمى من الخالق الأعظم الذى يجعل المياه العذبة تتفجر من الحجارة الصلدة عذبة ذلالا سائغة للشاربين تروى الظمأ، وتحيى الأرض الميتة، وذلك فى قوله- عز وجل- فى وصف قسوة قلوب اليهود:
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (?).
وهذه المنة الكبرى متعددة الظهور خاصة فى المناطق الجبلية فى جبال الشام، وجبال أوروبا وأمريكا، ولقد أنعم الله على كاتب هذه السطور بأن رأى كميات المياه العظيمة العذبة الباردة تتفجر من جبل فى سهل البقاع بلبنان من أرض الشام، فتصنع نهرا كبيرا مشهور ومعروفا، يشق سطح الأرض المنبسطة حينا، والجبلية حينا لمسافة مئات من الكيلومترات حتى تصل إلى الأراضى التركية فى شمال بلاد الشام، فتصنع الخضرة والرّى والنماء فى تلك البقعة المباركة من أرض المسلمين.
إن الله- سبحانه وتعالى- هو خالق الموت والحياة، ولقد قدّم الموت على الحياة لارتباطه بالحياة الآخرة وهى الدار الباقية، ومثابة الخلود، وفيها ينال المحسن إحسانه فيكون من أهل الجنة، ويلقى المسيء جزاءه بما قدّمت يداه عدلا من الله وحقا، ومن هنا كان على المرء من عباد الله أن يتدبر هذا اليوم تدبرا موصولا حتى يكثر من الخير، ويبتعد عن الشر، وأن يظل مؤمنا بأن للكون خالقا قادرا بيده مقاليد الدنيا والآخرة، ومن ثم كان من منن الله الكبرى فى كتابه العزيز أن نبّه الناس إلى ذلك اليوم الذى تنتهى فيه الحياة الأولى، ويكون البعث، والنشور، والحساب، والمصير إلى جنة عرضها السموات والأرض، أو إلى جهنم التى أعدت للكافرين.