بعلمه: أى فيه علمه الذى أراد أن يطلع العباد عليه، من البينات والهدى والفرقان، وما يحبه الله ويرضاه، وما يكرهه ويأباه، وما فيه من العلم بالغيوب، من الماضى والمستقبل (?).

كذلك وعدنا الحق جل وعلا بأن يرينا آياته، فيتحقق لنا العلم الدقيق بها، وذلك فى قوله عز وجل: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها (?)، وقوله: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ (?). ومن آيات الله فى الآفاق وفى الأنفس كل مخلوقاته التى خلقها فى شتى آفاق الأرض والسماء، مصداقا لقوله تعالى:

وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ (?).

والقرآن الكريم حافل بذكر آيات الله فى خلقه متخذا من التفكير فيها مدخلا رحيبا إلى الإيمان الخالص بالله عن طريق الاستشعار بوحدانيته سبحانه وبقدرته وبديع صنعه. ويتخذ القرآن الكريم أساليب بلاغية متنوعة فى الدعوة إلى النظر فى آيات الله والاحتفال بذكر السموات والأرض، والشمس والقمر ومنازله، والمشارق والمغارب، والبروج والنجوم والكواكب، والليل والنهار والفجر والغسق، والظلمات والضياء والنور، والبحار والأنهار والعيون، والرياح اللواقح، والسحاب الثقال والمركوم والمنبسط، والبرق والرعد والمطر، والجبال الراسيات والجدد البيض والحمر والغرابيب السود، والأرض الهامدة والأرض المهتزة الرابية، والجنات والنخيل والأعناب والتين والزيتون، والطلح والسدر واليقطين، والنمل والنحل والبعوضة والعنكبوت، والطير الصافات، والإبل والخيل والأنعام، واللبن يخرج من بين الفرث والدم، والشراب الشافى يخرج من بطون النحل، وخلق الإنسان من تراب ومن ماء مهين، وتطوره فى ظلمات الرحم خلقا من بعد خلق، وشفتيه ولسانه وسمعه وبصره وفؤاده، وإخراج الحى من الميت والميت من الحى ...

وهذه كلها أمثله قليلة بعيدة عن تمام الحصر مما يوجهه القرآن الكريم لأولى الألباب الذين يعقلون ويتفكرون ويتدبرون.

ومن يتأمل الخطاب القرآنى فى الدعوة إلى النظر فى آيات الله؛ يجد أنه ينزل فى نفوس المؤمنين منزلة الأمر، فالمسألة عندهم إذن مسألة فريضة وتكليف (?)، لكن من البديهى أن يتفاوت هذا التكليف بالنظر فى آيات الله من مؤمن إلى مؤمن، ومن قارئ إلى قارئ، إذ أن نظرهم هذا يتفاوت بتفاوت استعدادهم ومقدرة إدراكهم وحصيلة معارفهم، فالسماوات مثلا آيات رائعة معجزة عند الأمىّ وعند عالم الفلك المتخصص على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015