كذلك أدّى غياب هذا التمييز الواضح بين نوعى المعجزة إلى الخلط أحيانا بين الإعجاز العلمى الذى يقصد به سبق القرآن الكريم إلى الإخبار بحقيقة كونية قبل أن يكتشفها العلم التجريبى، وبين «التفسير العلمى للقرآن الكريم» الذى يراد به الكشف عن معان جديدة للآية القرآنية، أو الحديث النبوى، فى ضوء ما ترجحت صحته من نظريات العلوم الكونية، دون إسراف فى التأويل، بمعنى أن تكون هذه العلوم فى خدمة تفسير القرآن والسنة مثلما خدمته علوم اللغة والأصول والفقه وغيرها من مجالات العلوم الشرعية.
وكان طبيعيا أن يظهر فى مجال الدراسات الإسلامية مبحث خاص من مباحث علوم القرآن يعنى بدراسة الآيات الكونية فى إطار من توافق الحقائق العلمية مع ما أنبأ به القرآن أو أشار إليه، سواء كان غرض هذه الدراسة هو الكشف عن أوجه الإعجاز العلمى للقرآن الكريم فى بيان حكم التوجيهات الإلهية فيما يتعلق بالحلال من الطيبات والحرام من الخبائث والمحرمات، أو كشف وجوه الهداية القرآنية فى آفاق النفس والكون بصورة عامة.
لقد شاءت حكمة الله- تعالى- أن يكون إرشاد الناس وهدايتهم بوسائل متنوعة، وهو- سبحانه وتعالى- خبير بعباده، فهو تارة يخاطبهم بما يمس قلوبهم مسا رقيقا رفيقا، وهو تارة أخرى يقرع عقولهم قرعا قويا شديدا، وكان من أبرز ما جلى به أبصارهم وأنار بصائرهم حضّه إياهم على التدبر فى آيات خلقه. وهذا ما شجع العلماء الذين يرون فى الإعجاز العلمى للقرآن الكريم لونا من التفسير فيه فتح جديد وتجديد فى طريق الدعوة إلى الله وهداية الناس إلى دين الله.
ولما كان القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى التى أيد الله بها رسوله محمدا- صلّى الله عليه وسلّم- لتبقى بين أيدى الناس إلى قيام الساعة، مصداقا لقوله تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ (?)، فقد ظهرت مباحث فى علوم القرآن تعنى بجوانب الإعجاز القرآنى البلاغية والتشريعية والتربوية والعلمية وغيرها. وفى بيان المعجزة العلمية من حيث طبيعتها الباقية بين يدى الناس، وتجددها مع كل كشف بشرى فى ميادين العلوم، وكذلك فى المعارف ذات الصلة بمعانى الوحى الإلهى، يقول الله تعالى:
لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (?).
وجاء فى تفسير هذه الآية الكريمة: أنزله