كان قوم الرسول يعلمون شيئا من هذه الأنباء لصاحوا به، نحن نعلم، ولكن كان قصاراهم أن يقولوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (?)

وندع أخبار التاريخ إلى ما استفاض به القرآن من أمور التشريع، فقد كان العرب فى جاهليتهم لا ينزعون إلى شريعة مفروضة فجاءهم القرآن من جانب التشريع بما دهشوا، كذلك لم يكونوا يعرفون شيئا عن المعاد وأمور البعث والحساب والملائكة والجن والجنة والنار فأتى لهم بما يجهلون، ثم هذا التصوير الأدبى الرائع الذى أعجزهم كل الإعجاز فى مثل قول الله اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ. (?)

ولم يسق الأستاذ هذه الآيات مجردة من التحليل الأدبى الشائق، والعرض الأسلوبى البديع، بل بلغ من ذلك مبلغا حميدا- رحمه الله.

الدكتور محمد عبد الله دراز:

ألّف الأستاذ الدكتور محمد عبد الله دراز كتاب «النبأ العظيم» ليثبت إعجاز القرآن بما لا يدع مجالا للريب، والكتاب فى القمة من الأدب العالى (وقد طبع عدة مرات وأرجو أن يكون فى مكتبة كل مسلم) لما تضمن من حقائق جديدة، أكثرها من بنات فكره الخاص مع تمتعه بأسلوب نادر يجذب القارئ حتى ليخاله شعرا، (وهو فى رأيى أقرب إلى نفوس القراء من كتاب الرافعى- رحمه الله- على عظم تقديرنا إياه، لأنّ الرافعى يتعمّق فى التصوير والتعبير حتى يحوج القارئ إلى التثبت، أما النهر المتسلسل الدفاق فهو ما انهمر من يراع الدكتور دراز، وكأنه غيث نزل من السماء فأحيا به الله الأرض).

لقد رصد المؤلف الخصائص القرآنية للأسلوب البيانى فى كتاب الله فحدّها فى أربعة أمور هى سر الإعجاز، وأول هذه الخصائص هو (البيان والإجمال معا) (?) فهما خارقة عجيبة من خوارق التعبير لأنّ الناس إذا عمدوا إلى تحديد أغراضهم لم تتسع إلى تأويل، وإذا أجملوها ذهبوا بها إلى الإبهام أو الإلباس، ولا يكاد يجتمع لهم هذان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015