العلمى تعبيره عز وجل عن تضام ذرات الأرض المتشابهة، واختمارها بعد الحرث والبذر والرى، بقوله تعالى: وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ (?) ثم انظر إلى ما وصل إليه المنطق من جمع الأدلة وسياق المدلول، أو تقديم الأمثلة وتأخير الدعوى فى قوله تعالى بعد أن ساق الدليلين المنطقيّين ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (?) وهذا كلّه وأشباهه ممّا لا قبل للعرب به، ولا طوق لهم بتحديه.
هذا لباب ما قاله الأستاذ عبد الله عفيفى، وكان له صدى بعيد بين الدارسين، وطبيعى أن يلقى معارضة من ذوى النقد فالآراء لا تستقرّ دون معارضة يتبعها التمحيص، وقد عارضه الأستاذ الكبير محمود مصطفى أستاذ الأدب بكلية اللغة العربية فذكر أن العرب كانت تعرف هذين اللونين من الأسلوب المنطقى والأسلوب العلمى، والدليل على ذلك أنّهم لو كانوا يجهلونهما ما كان لهما وقع فى نفوسهم، لأن الناس أعداء ما جهلوا (?)، وقد ساق خطبة منحولة قيلت على لسان قبيصة بن نعيم حين وفد على كسرى، وألفاظ الخطبة وترتيبها يدلّ على إسلاميتها، وأنّ المعانى مما جاء به القرآن الكريم، هذا من ناحية، أما الناحية الأخرى فإنّ خطبة قبيصة المنحولة تخلو من الأسلوب العلمى الذى أشار إليه الأستاذ عبد الله عفيفى، فكيف يقال: إنّ العرب كانت تعرف هذين الأسلوبين، أما القول بأن العرب لو كانوا يجهلون هذا الأسلوب ما قبلوه فممّا لا يستقيم مع النظر الصحيح؛ لأنّ الجديد الطريف لا يرفض بداهة عند ذوى العقول.
وقد جاء عصرنا الحاضر بفنون من القول لم تكن معروفة فى الأدب العربى مثل الشعر التمثيلى، فلاقت الترحيب المشجّع، وما زال الجديد يفد كلّ يوم بثماره المشتهاة.
أما الوجه الثالث من وجوه الإعجاز عند الأستاذ عبد الله عفيفى فهو الإفاضة فيما كان يجهله العرب من أحداث التاريخ من قبل ومن بعد، فأخبار الأمم السابقة لم تكن معروفة لدى العرب، وقد قال الله عز وجل تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا (?) ولو