آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (?) حقيقته منعناهم الإحساس بآذانهم، والاستعارة أبلغ لأنه كالضرب على الكتاب فلا يقرأ، كذلك المنع من الإحساس فلا يحس. وإنما دل على عدم الإحساس بالضرب على الآذان دون الضرب على الأبصار لأنه أدل على المراد من حيث كان يضرب على الأبصار من غير عمى فلا يبطل الإدراك أصلا وذلك بتغميض الأجفان، وليس كذلك منع الأسماع من غير صمم فى الآذان، لأنه إذا ضرب عليهما من غير صمم دلّ على عدم الإحساس من كل جارحة يصح بها الإدراك، ولأن الأذن لما كانت طريقا إلى الانتباه ثم ضربوا عليها، لم يكن سبيل إليه». (?)

وكذلك ما أتبع به قول الله عز وجل: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ (?) حيث قال: القذف والدمغ هنا مستعار، وهو أبلغ، وحقيقته، بل نورد الحق على الباطل فيذهبه، وإنما كانت الاستعارة أبلغ لأن فى القذف دليلا على القهر. لأنك إذا قلت: قذف به إليه، فإنما معناه، ألقاه إليه على جهة الإكراه والقهر، فالحق يلقى على الباطل فيزيله على جهة القهر والاضطرار، لا على جهة الشك والارتياب، ويدمغه أبلغ من «يذهبه» لما فى يدمغه من التأثير فهو أظهر فى الكناية، وأعلى فى تأثير القوة» (?).

كم يحتاج مثل هذا البيان الدقيق إلى تحليل ساطع كتحليل الإمام عبد القاهر ليفيض من ضيائه ما قبضه التركيز المكتنز، ولئن فات الرمانى أن يفيض بما يشرق من النور

فقد أتاح لخلفائه أن يستريحوا لقوله فى مكان مطمئن لا يرهقه عسر، إذ اعتمد أبو هلال وابن سنان وعبد القاهر وابن الأثير وابن رشيق على الكثير من خطراته الدقيقة، وأوسعوها تحليلا وتفصيلا، كلّ حسب منحاه وبذلك صار الرمانى علما من أعلام البيان، وإن لم يؤلف فى هذا العلم رأسا بل جاء حديثه فيه خاصا بكتاب الله.

وقد طبع كتاب الرمانى فى النحو وفيه إشارات مقتضبة عن الإعجاز حين يستشهد بآية كريمة، فإذا أضيفت هذه الإشارات إلى ما كتبه فى رسالته الخاصة بالإعجاز فإنها تفصح عن نظر دقيق.

الخطابى: أبو سليمان الخطابى من أعلام المحدثين فى عصره، وهو إمام سنى نافح عن مذهبه فيما ترك من آثار، وقد كتب رسالة (إعجاز القرآن) ليرد على الطاعنين من وجهة نظره، فجاء رده سلسا فصيحا لا يحوج القارئ إلى بعض العناء كما أحوجته رسالة الرمانى، وقد هدف إلى تحديد عناصر الإعجاز فى كتاب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015