علما من أعلام النحو فى عصره، وقورن بأبى علىّ الفارسى، وكاد يرجحه عند قوم، وتأليفه فى النحو على وجه التفريع والتقسيم والإكثار من المصطلحات كان واضحا فى حديثه عن الإعجاز، إذ بدأ بتقسيم البلاغة إلى طبقات ثلاث، ثم ثنى بتقسيم مسائلها إلى عشرة أقسام هى الإيجاز والتشبيه والاستعارة والتلاؤم والتواصل والتجانس والتصريف والتضمين والمبالغة وحسن البيان، وأوضح كل قسم بما توسع فيه من الاستشهاد المتعدد، ويطول بنا القول لو تتبعناه فى كل ما كتب، ولكننا نشير إلى ما ينبئ عن اتجاهه فحسب، فقد بدأ بالحديث عن الإيجاز فقسمه إلى إيجاز حذف وإيجاز قصر، فتابعه البلاغيون على اصطلاحه، واستشهد بمثل قول الله عز وجل وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها (?) فقال:
«كأنه قيل حصلوا على النعيم المقيم الذى لا يشوبه التنغيص، وإنما صار الحذف فى مثل هذا- يريد حذف جواب الشرط- لأن النفس تذهب فيه كل مذهب، ولو ذكر الجواب لقصر على الوجه الذى تضمنه البيان فحذف الجواب فى قولك «لو رأيت عليا بين الصفين» أبلغ من الذكر لما بيناه. (?)
ثم تعرض للموازنة بين قول الله تعالى:
وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ (?) وقول من قال (القتل أنفى للقتل) فأفاض على غير عادته ليردّ على من لغا لغوا سفيها فى هذا المجال. فكان أول من كتب فى هذه الموازنة، وقد تبعه من جاء بعده وهم كثيرون، حتى جاء الأستاذ مصطفى صادق الرافعى فى هذا العصر فلم يدع مجالا لقائل، أما ما كتبه فى الاستعارة فقد كان أوضح نسبيا مما كتبه عن الإيجاز إذ تخلى عن الكزازة الضيقة فى التعبير هناك. وتمثل لذلك بما ذكره عن قول الله عز وجل: إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ (?) حيث قال: شهيقا، حقيقته صوتا فظيعا كشهيق الباكى، والاستعارة أبلغ وأوجز، والمعنى الجامع بينهما قبح الصوت، «تميز من الغيظ» حقيقته من شدة الغليان بالاتقاد، والاستعارة أبلغ منه وأوجز؛ لأن مقدار شدة الغيظ على النفس محسوس مدرك بما يدعو إليه من شدة الانتقام فى الفعل، وفى ذلك أعظم الزجر وأبلغ الوعظ، وأول دليل على سعة القدرة وموقع الحكمة، ومنه: إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (?) أى تستقبلهم للإيقاع بهم استقبال مغتاظ يزفر غيظا عليهم، وكذلك قال الرمانى عن قوله تعالى: فَضَرَبْنا عَلَى