وخنساء وأشباه ذلك على جهة التطير له، ففي إجماع المسلمين والعرب على ضرب المثل بقبح الشيطان دليل على أنه فى ذلك أقبح من كل قبيح». (?)
والأمثلة كثيرة لما حلله الجاحظ من آيات الكتاب المبين، وفى الفصل الذى كتبته عن (وثبات الجاحظ) فى كتابى (خطوات التفسير البيانى) توضيح كاف لما أعنيه، حيث
ذكرت من النماذج ما يدل على معاناة الجاحظ فى هذا المضمار؛ لأنه بهذا التحليل الرائع لآيات القرآن الكريم قد دل على أمثلة من الإعجاز القرآنى تكون تطبيقا لما قرره بشأن هذا الإعجاز [مما أشرت إليه فى صدر هذا البحث]، وآخذ على بعض المعاصرين ممن كتبوا عن الصور البيانية فى كتاب الله أنهم اقتبسوا كلام الجاحظ دون أن يشيروا إليه؛ وكأن القول من مبتكراتهم، وهذا فى العلم غير حميد.
الرمانى: دعت الحرية الفكرية فى العصر العباسى نفرا من الناس أن يقولوا فى كتاب الله ما يشاءون، ووجد الملاحدة منهم فى كتاب الله ما يشفون به صدورهم من الإرجاف الكاذب، فهب المخلصون من حماة الإسلام يدافعون عن إعجازه بما يملكون من إقناع، فكتب الجاحظ عن نظم القرآن ما جعله موضوعا لقضية الإعجاز، واقتفاه أبو بكر داود السجستانى ت 316 هـ، وأبو زيد البلخى ت 322 هـ، وأبو بكر بن الأخشيد ت 326 هـ، فتحدثوا عن الإعجاز فى كتب تحمل عنوان (نظم القرآن) ثم جاء محمد بن يزيد الواسطى فتحدث عن إعجاز القرآن فى كتاب جعله بعنوان (الإعجاز)، فكان أول من خالف عنوان النظم إلى عنوان الإعجاز، ولاقى عنوانه قبولا لدى الدارسين، فكان موضع اختيار من كتبوا فى الإعجاز من بعده وفى طليعتهم الرمانى 386 هـ والخطابى 388 هـ والباقلانى 403 هـ، وغيرهم كثير، وإذا كان ما كتبه السابقون من قبل هؤلاء الثلاثة قد فقد ولم تظهر مخطوطاتهم بعد، فإننا سنخصهم بالحديث.
كان الخطابى والرمانى متعاصرين كما يعلم من تاريخ وفاتهما، ولا نعلم أيهما سبق صاحبه فى الحديث عن إعجاز القرآن ولكن قراءة الكتابين تدل على أن أحدهما لم يحبذ الآخر، بل لم يقرأ ما كتب، فإن التأثر مفقود تماما، لاختلاف المنحى، وإذا كان الرمانى قد سبق صاحبه إلى لقاء ربه بعامين أو بأربعة على اختلاف الروايات فسأبدأ به.
لقد عمّر على بن عيسى الرمانى دهرا طويلا قطعه فى الدراسات العميقة حتى صار