(ج) وقد أبهم الله الليلة التى أنزل فيها القرآن من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة فى السماء الدنيا جملة واحدة.
فقال- جل وعلا- فى سورة الدخان 3:
إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ
ثم زادها إيضاحا فقال: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إلى آخر السورة.
ثم أخبرنا أنها فى شهر رمضان بقوله فى سورة البقرة 185: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ.
ومع ذلك ظلت الليلة مبهمة، هل هى فى أوائل شهر رمضان أم فى وسطه، أم فى أواخره، وأى ليلة هى على وجه التحديد. وقد وردت أحاديث تفيد أنها فى الوتر من العشر الأواخر من رمضان.
وهذا الإبهام يحملنا على تحريها فى العشر الأواخر كلها، بل يحملنا على الاجتهاد فى العبادة من أول الشهر إلى آخره، فكان هذا الإبهام خيرا لنا فى دنيانا وآخرتنا.
(15) وقد أبهم الله ما ورد فى كتابه من الدواب لأنه لا يتعلق بوصفها فائدة.
والبحث عن أوصافها وأنواعها، وغير ذلك مما يتعلق بها لا طائل تحته، وذلك مثل ناقة صالح وهدهد سليمان، والنملة التى قالت:
يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ وحمار عزير أو غيره، وكلب أصحاب الكهف، وغير ذلك.
والقرآن الكريم كتاب هداية ومنهج حياة، وليس فيه من وراء ذلك مطلب؛ لهذا أبهم ما لا يتعلق بإظهاره فائدة، ولم يكلفنا الله بالبحث عنه لما فى ذلك من شغل القلب بما لا ينبغى أن يشغل به، ومضيعة الوقت فيما لا طائل تحته.
أ. د/ محمد بكر إسماعيل