(1) هذا باب عقده علماء التفسير؛ ليدفعوا عن القرآن شبها ترد على أذهان بعض من لا خبرة لهم بأساليبه ومقاصده وأصول تفسيره.
وهذه الشّبهة التى عملوا جاهدين على تفنيدها ودحضها- بالحجة القاطعة والبرهان الساطع- هى مجرد خواطر ترد على الأذهان ثم لا تجد لها فى القرآن مكانا تستقر فيه؛ فتزول من تلقاء نفسها، أو بعد شىء من التدبر، أو بسؤال أهل العلم؛ فلا يبق لها أثر، لأنها من قبيل الوهم.
والوهم- كما تقول كتب اللغة: ما يقع فى الذهن من الخاطر؛ يقال: وهم فلان: ذهب وهمه إلى الشيء وهو يريد سواه.
والقرآن الكريم كتاب أحكمت آياته إحكاما لا يقبل التناقض بحال، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
والتناقض فى القول: هو الاختلاف والتعارض
والنقيضان فى الكلام: (ما لا يصح أحدهما مع الآخر، نحو: هو كذا وليس بكذا فى شىء واحد وحال واحدة) (?).
قال أبو بكر الصيرفى فى شرح «رسالة الشافعى»: (جماع الاختلاف والتناقض: أن كل كلام صح أن يضاف بعض ما وقع الاسم عليه إلى وجه من الوجوه فليس فيه تناقض.
وإنما التناقض فى اللفظ: ما ضاده من كل جهة على حسب ما تقتضيه الأسماء، ولن يوجد فى الكتاب ولا فى السنة شىء من ذلك أبدا؛ وإنما يوجد فيه النسخ فى وقتين، بأن يوجب حكما ثم يحلّه، وهذا لا تناقض فيه.
وتناقض الكلام لا يكون إلا فى إثبات ما نفى، أو نفى ما أثبت، بحيث يشترك المثبت والمنفى فى الاسم والحدث والزمان والأفعال والحقيقة؛ فلو كان الاسم حقيقة فى أحدهما وفى الآخر مستعارا، ونفى أحدهما وأثبت الآخر- لم يعدّ تناقضا.
هذا كله فى الأسماء، وأما المعانى- وهو باب القياس، فكلّ من أوجد علة وحررها