فلو قال قائل: إن هذه الآية نزلت فى بيان منزلة الشهداء عند الله تعالى، وأنها من أعلى المنازل فى الجنة اعتبارا بما فى أول الآيات، وقال آخر: نزلت هذه الآيات فى الترغيب فى الجهاد لنيل الشهادة اعتبارا بما فى آخرها.

لكان كل من القولين صحيحا، لأن الآيات تتضمن هذا وذاك، ولا تعارض بينهما.

(ب) أن تكون إحدى الصيغتين نصا فى سبب النزول: بمعنى أن يكون فيها ما يدل على ذلك مثل فاء التعقيب، وتكون الأخرى ليست نصا فى السببية، بل جاءت بعبارة:

نزلت الآية فى كذا، فإن الصيغة الأولى عندئذ تعتمد سببا لنزول الآية، أما الثانية فتحمل على أنها نوع من التفسير أو الاستنباط من الآية حسب فهم من سيقت عنه.

مثال ذلك: قول الله تبارك وتعالى:

وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ البقرة/ 197.

فقد أخرج البخارى رحمه الله تعالى (?) عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: «كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ويقولون:

نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى».

كما ورد فى الآية كذلك أنها: فى الأمر بأخذ الزاد عند السفر، والإخبار والإعلام بأن خير ما يتزود به هو تقوى الله تعالى، حكاه الإمام عبد الرحمن بن الجوزى (ت 597 هـ) عن أبى إسحاق الزجاج (ت 311) رحمه الله تعالى (?).

فحديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما يعتبر سببا فى نزول الآية لصراحة عبارته فى ذلك، وأما قول الزجاج فإنه يحمل على تفسير الآية.

(ج) أن يأتى فى الآية روايتان: وتكون كل منهما نصا فى سبب نزولها، ولكن إحداهما إسنادها صحيح دون الأخرى، فالمعتمد عندئذ فى سبب النزول هو الرواية التى صح إسنادها.

مثال ذلك: ما ورد فى سبب نزول قول الله: وَالضُّحى (1) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (2) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى سورة الضحى/ 1 - 5.

فقد أخرج البخارى رحمه الله تعالى (?) عن جندب بن سفيان رضي الله عنه، قال: «اشتكى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين، فجاءت امرأة- أى من الكفار- فقالت: يا محمد إنى لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره

طور بواسطة نورين ميديا © 2015