بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ النور/ 4، 5.
فهذه الآية مخصّصة لعموم الآية السابقة، ولكن لا ينبغى أن يقاس فى هذا التخصيص قبول توبة من يقذف عائشة رضى الله عنها أو إحدى أمهات المؤمنين على قبول توبة قاذف غيرهن، لأن قذف أزواج النبى صلّى الله عليه وسلم هو صورة السبب التى نزل عليها الحكم فى قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ الآية، وعليه فيمتنع أن تخرج صورة السبب من النص العام النازل عليها بالتخصيص الوارد فى الآية الثانية، بل يقتصر هذا التخصيص على ما عدا صورة السبب، فلا يكون لقاذف أزواج النبى صلّى الله عليه وسلم توبة.
قال السيوطى رحمه الله تعالى: «إن اللفظ قد يكون عاما ويقوم الدليل على تخصيصه، فإذا عرف السبب قصر التخصيص على ما عدا صورته، فإن دخول صورة السبب قطعى، وإخراجها بالاجتهاد ممنوع، كما حكى الإجماع عليه القاضى أبو بكر فى التقريب، ولا التفات إلى من شذ فجوّز ذلك» (?).
لكن الآية التى معنا قد تخرّج على اعتبار أن الوعيد الوارد فيها إنما هو لمن أصرّ على القذف ولم يتب، وأن ذلك يكون فى حق القاذف المصرّ عموما سواء كان قذفه لأزواج النبى صلّى الله عليه وسلم أو لغيرهن.
كما يمكن تخريجها على اعتبار أن الوعيد الوارد فيها خاص بمن قذف عائشة رضى الله عنها، أو احدى أمهات المؤمنين رضى الله عنهن جميعا، بعد نزول ما نزل فى شأن عائشة رضى الله عنها من القرآن.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: «وقد أجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سبّها- يعنى بذلك عائشة رضى الله عنها- بعد هذا ورماها بما رماها به بعد هذا الذى ذكر فى هذه الآية فإنه كافر، لأنه معاند للقرآن وفى بقية أمهات المؤمنين قولان، أصحهما:
أنهن كهى، والله أعلم» (?).
رابعا: من أهم فوائد معرفة أسباب النزول، بل من دواعى هذه المعرفة والحاجة إليها: أنها تعين فى كثير من المواطن على فهم معنى الآيات، وإزالة ما قد يبدو فيها من إشكال، وبدون معرفة سبب النزول يمكن أن يخطئ المفسر فى فهم معنى الآية فيحمله على غير المراد، وقد لا يعرفه على الإطلاق، وفى هذا من الخطورة ما فيه، لأن الجهل فى هذا الصدد يفتح الباب على مصراعيه أمام