وآية النساء لا ذكر فيها للوضوء، فيتجه تخصيصها بآية التيمم. وأورد الواحدى فى (أسباب النزول) (?) هذا الحديث عند ذكر آية النساء أيضا، وخفى على الجميع ما ظهر للبخارى من أن المراد بها آية المائدة بغير تردد، لرواية عمرو بن الحارث، إذ صرح فيها بقوله: فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ الآية» (?).

ثانيا: تخصيص الحكم- فيما نزل بصيغة العموم- بصورة السبب التى نزل فيها- أى بالحادثة التى كان وقوعها سببا فى نزول الحكم- وذلك عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ.

ومعنى هذا الكلام: أن النص العام الوارد على سبب خاص لا يبقى على عمومه بعد نزوله على سببه الخاص، بل يكون مقصورا على حالة هذا السبب، بمعنى أن استفادة الحكم فى هذا السبب بذاته مما نزل تكون بطريق النص، فإذا عمل بهذا الحكم فى حادثة أو حوادث تشابه حادثة صورة السبب كان استفادة الحكم فى هذه الحوادث المشابهة بطريق القياس لا بطريق النص، ولكن هذا التخصيص مسألة خلافية سوف نعرض لها بالتفصيل عند بحث مسألة عموم اللفظ وخصوص السبب.

ثالثا: إذا كان اللفظ النازل فى سبب ما عاما، وقام الدليل على تخصيصه، فإن معرفة سبب النزول تجعل التخصيص الوارد قاصرا على ما عدا الحادثة التى كانت صورة السبب، ذلك لأن صورة حادثة السبب لا يجوز إخراجها بالاجتهاد قياسا على صورة أخرى لا يجرى فيها الحكم الوارد فى ذلك النص، ذلك أن دخول الحادثة التى هى صورة السبب فى اللفظ العام قطعى، فلا يجوز إخراجها بالاجتهاد وهو ظنى.

مثال ذلك: ما ذكره المفسرون فى سبب نزول قول الله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ النور/ 23.

فقد أوردوا عن سعيد بن جبير رحمه الله تعالى، وابن عباس رضى الله عنهما: أن هذه الآية نزلت فى رماة عائشة رضى الله عنها خاصة، أو فيها وسائر أزواج النبى صلّى الله عليه وسلم عامة (?) وهو وعيد لهؤلاء الرماة، عام فى عذابهم فى الدنيا والآخرة، مما يفيد عدم قبول توبتهم، ولكن هذا العموم قد خصص بقبول توبة من يقذف غيرهن من المؤمنات إذا تاب بدليل قول الله تعالى:

وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015