عن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن اليهود كانت إذا حاضت منهم امرأة أخرجوها من البيت، ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوهن فى البيوت، فسئل رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله سبحانه وتعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «جامعوهن فى البيوت، واصنعوا كل شىء غير النكاح» (?).

وفى مقابل هذه الدلالة الصريحة على سببية النزول هناك من العبارات ما هو صريح فى التفسير، لا يحتمل السببية بوجه، كأن يقول الصحابى مثلا: المراد من هذه الآية كذا، أو تدل هذه الآية على كذا، أو يؤخذ منها كذا.

فهذه العبارات وأمثالها غير صريحة فى السببية.

مثال ذلك، ما أورده ابن كثير رحمه الله تعالى عن ابن عباس رضى الله عنهما فى تفسير قول الله تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ السجدة/ 21.

قال: «قال ابن عباس: يعنى بالعذاب الأدنى مصائب الدنيا وآفاتها وأسقامها، وما يحل بأهلها مما يبتلى الله به عباده ليتوبوا إليه .. وفى رواية عنه: يعنى إقامة الحدود عليهم» (?).

الصيغة الثانية:

هى التى تكون العبارة فيها محتملة، فتصلح لأن يراد بها سبب النزول، كما تصلح أن يراد بها التفسير، كأن يقول الصحابى رضي الله عنه: «نزلت هذه الآية فى كذا» لكن لا ينبغى أن يفهم احتمال هذه العبارة للأمرين معا دفعة واحدة فى الموضع الواحد، بل المراد أنها إما أن يراد بها سبب النزول، أو يراد بها التفسير، فتارة يراد منها السبب، وتارة يراد منها بيان ما تشتمل عليه الآية، وعندئذ يتوقف فهم المراد منها على دليل أو قرينة توضح هذا المراد.

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: «قولهم:

نزلت هذه الآية فى كذا. يراد به تارة سبب النزول، ويراد به تارة أن ذلك داخل فى الآية وإن لم يكن السبب، كما تقول: عنى بهذه الآية كذا، وقد تنازع العلماء فى قول الصحابى:

نزلت هذه الآية فى كذا، هل يجرى مجرى المسند، كما لو ذكر السبب الذى أنزلت من أجله، أو يجرى مجرى التفسير منه الذى ليس بمسند؟ فالبخارى رحمه الله يدخله فى المسند، وغيره لا يدخله فى المسند، وأكثر المسانيد على هذا الاصطلاح كمسند أحمد وغيره، بخلاف ما إذا ذكر سببا نزلت عقبه فإنهم كلهم يدخلون مثل هذا فى المسند» (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015