أهمية بحث هذه المسألة مبعثها أن صيغة سبب النزول هى التى يتوقف عليها كيفية الجمع أو الترجيح بين الروايات المختلفة عند تعدد أسباب النزول للآية أو الآيات، كما سيأتى بحثه فيما بعد.
ولقد قرر العلماء انطلاقا من تتبع أسباب النزول فى القرآن الكريم أن العبارات الدالة على أسباب النزول تأتى على وجهين، لأنها إما أن تكون صريحة فى كون الحادثة أو نحوها سببا فى نزول الآية، فعندئذ تكون تلك الصيغة نصا فى السببية لا يقبل التأويل أو الاحتمال، وإما أن تكون العبارة غير صريحة فى السببية فتكون عندئذ محتملة، فيجوز أن تكون تعبيرا عن السبب، كما يصلح أن تكون تعبيرا عن تفسير الآيات، وبيان معناها وما تضمنته من أحكام، وفيما يلى بيان كل من الصيغتين فى التعبير عن سبب النزول:
هى التى يقول الصحابى مثلا: سبب نزول هذه الآية كذا. فهذه العبارة صيغة صريحة فى السببية، وكذلك إذا أتى بفاء التعقيب، وقرنها بعبارة الإنزال بعد ذكر حادثة أو سؤال، كأن يقول: حدث كذا وكذا، فأنزل الله تعالى آية كذا، أو فنزلت آية كذا، أو يقول:
سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن كذا فنزلت آية كذا، فهذه الصيغة كذلك صريحة فى السببية، لأن قائلها أوضح فيها أن نزول الآية أو الآيات ترتب على وقوع تلك الحادثة، أو توجيه هذا السؤال، ومعنى ذلك أن سبب النزول هو هذه الحادثة، أو ذلك السؤال.
مثال قول الصحابى: «حدث كذا فنزلت آية كذا». ما ثبت فى الصحيح (?) عن مسروق قال: سمعت خباب بن الأرت يقول: جئت العاص بن وائل السهمى أتقاضاه حقا لى عنده، فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: لا، حتى تموت ثم تبعث، قال: إنى لميت ثم مبعوث؟ فقلت: نعم، فقال: إن لى هناك مالا وولدا فنزلت: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً مريم/ 77.
وأما قول الصحابى: «سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن كذا فأنزل الله آية كذا» فمثاله ما جاء