قصر البيان عليه صلّى الله عليه وسلم، لأنه كان مأمورا ببيان ما خفى عليهم، أو اختلفوا فى فهمه، كما نصت الآية 64 من السورة ذاتها، حيث يقول تعالى: وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ، وأما ما كان واضحا فى عصره صلّى الله عليه وسلم، فلم يكن مأمورا ببيانه، ولكن لما اتسعت الفتوحات الإسلامية، ودخل العجم فى دين الله، وبعد الناس عن عهد النبوة، وفشا الجهل فيهم بلغة العرب، وأسباب النزول، وملابسات القرآن احتاجوا إلى بيان، حيث لم يكفهم ما نقل من طريق السماع.
استدل المانعون بحديثين عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
1 - الحديث الأول: رواه الترمذى عن ابن عباس- رضى الله عنهما- أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «اتقوا الحديث عنى إلا ما علمتم، فمن كذب علىّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، ومن قال فى القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار». (?)
2 - الحديث الثانى: أخرجه الترمذى وأبو داود عن جندب أنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من قال فى القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ». (?)
وهذان الحديثان لا يدلان فى الواقع على المنع، لا سندا ولا متنا.
أما سند الأول منهما، ففيه عبد الأعلى ابن عامر الثعلبى، والترمذى وإن حسن له إلا أن العلماء ضعفوه، كما نقل الحافظ ابن حجر عنهم فى تهذيبه أثناء ترجمته له. (?)
أما سند الحديث الثانى، فهو ضعيف أيضا، لوجود سهيل بن أبى حازم القطعى فيه، وقد ضعفه العلماء، كما نقل عنهم الذهبى فى ميزانه، وابن حجر فى تهذيبه. (?)
أما من ناحية المتن: فإن المراد بالرأى فى هذين الحديثين لا يخرج عن الصور الآتية:
1 - الرأى القائم على غير علم، بأن صدر من شخص لم تتوافر فيه شروط المفسر، ولا ضوابط التفسير، ويدل لصحة هذا التوجيه ما أخرجه ابن جرير الطبرى من طريق سعيد ابن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «من قال فى القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار». (?)
2 - أو أن المراد من الرأى: الخوض فيما استأثر الله- تعالى- بعلمه، وجعله من المتشابه الذى لا يعلمه إلا هو، كالروح ونحو ذلك.
3 - أو أن المراد من الرأى: الرأى الذى يجعل المذهب أصلا ومتبوعا، والتفسير فرعا وتابعا، كما يفعله مفسرو الفرق المبتدعة.