وللسيوطى فى إتقانه عبارة تحمل معنى ما قاله الراغب بالتمام. (?)
وإنما قلنا: إن الخلاف بين الرأيين حقيقى لا لفظى، لعدة اعتبارات، على رأسها ما يأتى:
1 - العبارتان الصريحتان لكل من الراغب الأصفهانى، والحافظ السيوطى فى ذلك، واللتان تنصان صراحة على أن المانعين أرادوا منع أى تفسير بغير المأثور، بصرف النظر عن كونه بالرأى المحمود أو بالرأى المذموم.
2 - أدلة المانعين، وردود المجيزين تفيد التعميم، وسيتضح ذلك التعميم من خلال ما يأتى:
استدل المانعون لتفسير القرآن بغير المأثور- ولو مع توافر كل الشروط والأدوات والعلوم- بأدلة من القرآن والسنة، وآثار عن الصحابة والتابعين.
1 - استدلوا بقوله تعالى: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 33].
حيث قالوا: إن القول على الله بغير علم محرم؛ لأنه فى الآية معطوف على محرم، والتفسير بالرأى قول على الله بغير علم، فيكون محرما.
ويرد على هذا الاستدلال: بأن التفسير بالرأى المحمود ليس قولا على الله بغير علم، وإنما هو إدراك الطرف الراجح، باستخدام العلوم التى يحتاج إليها المفسر بعد انعدام العلم اليقينى، فالقول بغلبة الظن حينئذ يكفى، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها [البقرة: 286] بل إن المجتهد حينئذ مأجور، حتى لو لم يحالفه التوفيق، كما صح فى الحديث.
2 - واستدل المانعون أيضا بقوله تعالى:
وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء:
36] حيث قالوا: التفسير بالرأى قول بغير علم، فيكون منهيا عنه.
ويرد عليهم فى ذلك بما رددنا عليهم فى استدلالهم السابق.
3 - كما استدلوا بقوله تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: 44]، حيث قالوا: إنه ليس لغير النبى صلّى الله عليه وسلم أن يتكلم فى شىء من معانى القرآن، لأن النبى هو المبين له.
ويرد عليهم فى ذلك: بأن الآية ليس فيها