القرآنى مصحوب بانمحاء الإرادة الشخصية للرسول صلّى الله عليه وسلم وانسلاخه من الطبيعة البشرية حتى ما بقى له- صلوات الله وسلامه عليه- اختيار فيما ينزل عليه أو ينقطع عنه، فقد يتتابع الوحى ويحمى حتى يكثر عليه، وقد يفتر عنه وهو أحوج ما يكون إليه، فهو وحى الله تعالى لا ريب فيه (?).

وإننا لنلمس- فى دهشة- مدى حب النبى صلّى الله عليه وسلم للوحى التنزيلى، وشوقه إليه فى فترته، إلى ذلك الحد الذى صوره حديث السيدة عائشة إذ تقول- رضى الله عنها- فى تتمة الحديث المار فى بدء الوحى: « ........ وفتر الوحى فترة حتى حزن النبى صلّى الله عليه وسلم- فيما بلغنا- حزنا غدا منه مرارا كى يتردى من رءوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكى يلقى منه نفسه تبدى له جبريل فقال: يا محمد؛ إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحى غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك» (?).

وقد يقال هاهنا: كيف عزم النبى صلّى الله عليه وسلم على إلقاء نفسه من الجبل مع أن ذلك يوجب قتلها، والعزم عليه من الكبائر، والأنبياء جميعا ولا سيما حضرته صلّى الله عليه وسلم معصومون من جميع المعاصى قبل البعثة وبعدها؟؟

والجواب عن ذلك أن يقال: إن هذا الخبر من بلاغات الزهرى كما جزم بذلك ابن حجر، وأنه لو صح لكان مجرد تصوير مجازى لشوق النبى صلّى الله عليه وسلم للوحى، وحزنه العميق على تأخره.

***** [كتاب الوحى]

ثم نتعرف على (كتّاب الوحى للنبى صلّى الله عليه وسلم):

فنجد من عناية الله بكتابه المجيد أن وجه الهمم ووفر الدواعى على تدوينه فى السطور، كما وجه عناية النبى صلّى الله عليه وسلم وأصحابه إلى حفظه واستظهاره فى

الصدور، فتحقق بالأمرين وعد الله- تعالى- بحفظه فى قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (?)، فقد تضافرت الصورتان، وعاضدت كل منهما الأخرى فى الصحة والتوثيق، حيث كان النبى صلّى الله عليه وسلم ينزل عليه القرآن شيئا فشيئا، وكان كلما نزل منه شىء بادر بتبليغه لأصحابه وحث على تعلمه وتعليمه، وكان يأمر كتّاب الوحى بكتابة كل شىء ينزل من القرآن عقب نزوله مباشرة، فتمت كتابة القرآن كله فى عهده صلّى الله عليه وسلم، وقد استنبط علماء التنزيل ما يدل على أن الكتابة من الصفات اللازمة للقرآن فى ذلك العهد من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015