وأقوال للصحابة والتابعين- يتناقل شفهيا، حتى دخل عصر التدوين، ثم دخل التفسير فى أطوار أخرى من عصر إلى عصر، تتلون ألوانه بتلون اتجاهات أصحابها، حتى وصل إلى عصرنا هذا، وقد أخذ من كل لون، ولا غرو فى ذلك، فهو ماسة ربانية، ينظر كل منهم إلى زاوية من زواياها، فتستهويه، ولا يكاد يصرف نظره عنها، وهو البحر الذى لا ساحل له ولا قرار، وبقدر ما عند الصياد من استعداد وأدوات، بقدر ما يصطاد منه، ليأكل ويبيع ويقتات.
التدوين فى بداية الأمر كان خاصا بالقرآن الكريم، دون الحديث النبوى، حتى لا يلتبس شىء من القرآن بغيره، قال صلّى الله عليه وسلم: «لا تكتبوا عنى، ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه» (?).
فلما أمن اللبس أباح النبى صلّى الله عليه وسلم كتابة الحديث أيضا، ويدل لذلك قوله صلّى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، لما طلب أبو شاة أن يكتب له خطبته:
«اكتبوا لأبى شاة». (?)
وإذا أردنا أن نقف على بداية تدوين التفسير، وتطور هذا التدوين، فإننا نقرر ما يلى:
أولا: إن تدوين التفسير كعلم مستقل عن الحديث، وليس كباب من أبوابه بدأ فى مرحلة مبكرة، على أيدى التابعين، الذين جمعوا قدرا كبيرا منه على أيدى الصحابة، ومما يدل على ذلك: ما جاء عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وأبى العالية، والحسن البصرى.
فأما سعيد بن جبير فقد ذكر الحافظ ابن حجر فى ترجمته لعطاء بن دينار الهذلى، أن عبد الملك بن مروان سأل سعيد بن جبير أن يكتب إليه بتفسير القرآن، فكتب سعيد بهذا التفسير، فوجده عطاء فى الديوان، فأخذه فأرسله عن سعيد بن جبير. (?)
وأما مجاهد فقد روى عنه الذهبى أنه قال: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات، أقف عند كل آية أسأله، فيم نزلت؟
وكيف نزلت؟ (?). وروى ابن جرير الطبرى عن أبى مليكة قال: «رأيت مجاهدا سأل ابن عباس عن تفسير القرآن، ومعه ألواحه، فقال ابن عباس: اكتب، حتى سأله عن التفسير كله». (?)
وأما أبو العالية- وهو رفيع بن مهران، أحد تلامذة ابن عباس وأبى بن كعب- فقد