وأخراهم، من اتبع هداه فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عنه فإن له معيشة ضنكا، ويحشر يوم القيامة أعمى، ولما كان العمل به متوقفا على بيان نصه، وتوضيح غرضه، فقد تكفل الله بذلك، حتى لا يكون للناس على الله حجة، قال تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ [القيامة: 17 - 19].
ومن هذا المنطلق فقد قيض الله للبشر فى كل عصر من يبين لهم هذا النص القرآنى، ويوضح لهم المقصود منه، وبدا هذا التقييض واضحا منذ عهد النبى صلّى الله عليه وسلم إلى الآن، قال تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل 44].
جلس النبى صلّى الله عليه وسلم بين أصحابه، ليفصل لهم ما أجمل من القرآن، وليزيل عن أذهانهم ما علق بها من لبس، وليبين لهم تخصيص العام، وتقييد المطلق، وتوضيح المبهم، وغير ذلك مما سنوضحه- إن شاء الله- فى حديثنا عن التفسير النبوى.
وكان الصحابة- رضوان الله عليهم- حريصين كل الحرص على ملازمة مجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلم، بل وجدنا بعضهم كان يتناوب مع صاحبه حضور المجلس النبوى إذا لم يستطع الملازمة.
أخرج البخارى فى صحيحه عن عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- قال: «كنت أنا وجار لى من الأنصار فى بنى أمية بن زيد- وهى من عوالى المدينة- نتناوب النزول على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ينزل يوما وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحى وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك» (?).
فلما انتقل الرسول صلّى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى قيض الله- عز وجل- للناس صحابته الكرام، ليبينوا لهم مراده من كلامه.
وقد ظل الصحابة يفسرون للناس ما احتاجوا إلى تفسيره.
فلما جاء عصر التابعين قيض الله منهم من يأخذ العلم على أيدى المفسرين من الصحابة، حتى صاروا علماء نابغين، بل كان منهم من يفتى فى وجود أستاذه بأمر منه.
وكان للتابعين مقومات جيدة كانوا يعتمدون عليها فى تفسيرهم، سوف نتحدث عنها- إن شاء الله- قريبا، ولقد أنتج لنا التابعون كما عظيما من التفسير.
وظل التفسير بالمأثور- قرآن، وسنة،