الخصيصة الثالثة للوحى القرآنى:
وهى أن الله تعالى قد وكل به جميعه أمين الوحى جبريل- عليه السلام- خاصة دون ملك سواه، لقوله تعالى شأنه: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (?).
فالروح الأمين هو سيدنا جبريل- عليه السلام- بإجماع المفسرين، وقد سماه الله تعالى روحا لأنه جسم لطيف روحانى خلق من الرّوح، أو لأنه روح كله لا كالناس الذين فى أبدانهم روح، أو لأنه لمجيئه بالوحى والدين بمثابة الروح الذى تثبت معه الحياة (?).
وقد نعت بالأمين: لأنه الحفيظ المؤتمن على وحى الله، ومبلغه لأنبيائه.
كذلك سماه الله تعالى (روح القدس) فى قوله تعالى: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا (?).
وذلك لأنه الروح المطهرة من أدناس البشرية، فالقدس: هو الطهر والنقاء، والإضافة فيه من إضافة الموصوف إلى الصفة.
وقد نقل عن النحاس أن القدس: هو الله تعالى، والمعنى: أن جبريل روح الله تعالى- والإضافة للملكية- لأنه كان بتكوين الله تعالى له من غير ولادة (?)، وفى كل هاتيك المعانى كان لجبريل مزيد اختصاص بها من بين سائر الملائكة، إذ هو منهم كالرسول صلّى الله عليه وسلم من أفراد أمته، ولذلك اختاره الله- سبحانه- لأشرف المهام، فوكله بالكتب والوحى إلى الأنبياء، وبالنصر عند الحروب، وبالمهلكات إذا أراد أن يهلك قوما، وقد أخرج ابن أبى حاتم عن عطاء: «أول ما يحاسب جبريل؛ لأنه كان أمين الله على رسله» (?).
* وإذا ما تساءلنا عن كيفية تلقى الأمين جبريل- عليه السلام- وحى القرآن من الله تعالى، وهل تلقاه مباشرة أو بواسطة؟ فإننا نجد للعلماء أقوالا أربعة فى هذا الصدد:
أولها: أن جبريل- عليه السلام- قد تلقف التنزيل من الله تعالى تلقفا روحانيا، قال بذلك العلامة الطيبى، والقطب الرازى فى حواشيه على «الكشاف»، حيث قال:
(والمراد بإنزال الكتب على الرسل أن يتلقفها الملك من الله تعالى تلقفا روحانيا .... ) (?).
وثانيها: أن جبريل- عليه السلام- قد أخذ القرآن من اللوح المحفوظ ونزل به على النبى صلّى الله عليه وسلم. وهذا هو المعنى الثانى لإنزال الكتب على الرسل، حيث قال الطيبى: (لعل نزول القرآن على الملك: أن يتلقفه تلقفا روحانيا أو يحفظه من اللوح المحفوظ فينزل به على النبى صلّى الله عليه وسلم فيلقيه إليه) (?).