وثالثها: ما نقل عن الماوردى من أن الحفظة نجّمت القرآن على جبريل فى عشرين ليلة، وأن جبريل نجّمه على النبى صلّى الله عليه وسلم فى عشرين سنة (?).
ورابعها: أن جبريل- عليه السلام- قد أخذ القرآن عن الله تعالى سماعا، فقد قال البيهقى فى معنى قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ: (يريد والله أعلم: إنا أسمعنا الملك، وأفهمناه إياه، وأنزلناه بما سمع ... ) (?).
وقد رجح الحافظ السيوطى هذا القول الأخير بقوله: (ويؤيد أن جبريل تلقفه سماعا من الله تعالى: ما أخرجه الطبرانى- من حديث النواس بن سمعان مرفوعا- «إذا تكلم الله بالوحى أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله، فإذا سمع بذلك أهل السماء صعقوا وخروا سجّدا، فيكون أولهم يرفع رأسه جبريل، فيكلمه الله من وحيه بما أراد، فينتهى به على الملائكة، فكلما مرّ بسماء سأله أهلها: ماذا قال ربنا؟ قال: الحق، فينتهى به حيث أمر» (?).
ولا شك أن هذا القول أحرى بالقبول، لقوة دليله من جهة، ولاقتضائه عدم الوساطة بين الله تعالى وبين جبريل فى التلقى من جهة أخرى، والتحرّز به من دعوى إنزال معناه دون لفظه بما تقضى إليه من موهمات من جهة ثالثة.
* فلقد رصد الإمام السيوطى لعلماء التنزيل فى بيان ما نزل به جبريل على النبى صلّى الله عليه وسلم من الوحى القرآنى ثلاثة أقوال؛ نثبتها بمزيد تبيان وتحليل على النحو التالى:
القول الأول: أنه نزل بلفظ القرآن ومعناه، حيث إنه من المرجح أن جبريل قد تلقف القرآن سماعا من الله تعالى، وتكليما نفسيا بالصفة القديمة مع إلهامه بالألفاظ الدالة على المعانى القائمة بذاته تعالى، كما هو محصل تقريرى الأصفهانى- فى مقدمة تفسيره- والقطب الرازى.
أو أن جبريل- عليه السلام- قد حفظ القرآن- بلفظه ومعناه- من اللوح المحفوظ، الذى أوجد الله تعالى فيه الكلمات والحروف الدالة على معنى القرآن القائم بذات الله تبارك وتعالى، فنزل به لفظا ومعنى على النبى صلّى الله عليه وسلم (?).
والقول الثانى: أن جبريل- عليه السلام- قد ألقى إليه المعنى فقط، وأنه عبر عنها بهذه الألفاظ بلغة العرب، وأن أهل السماء يقرءونه بالعربية، ثم إنه نزل به كذلك على النبى صلوات الله وسلامه عليه. ولم يثبت لأصحاب هذا الزعم الفاسد دليل عليه!!
والقول الثالث: أن جبريل قد نزل على النبى صلّى الله عليه وسلم بالمعانى خاصة، وأنه صلّى الله عليه وسلم علم تلك المعانى وعبر عنها بلغة العرب!!