قال في الصحاح في مادة (أول): (التأويل: تفسير ما يؤول إليه الشيء, وقد أولته وتأولته تأولاً بمعنى. ومنه قول الأعشى:
على أنها كانت تأول حبها ... تأول ربعي السقاب فأصحبا
قال أبو عبيدة: يعني تأول حبها، أي تفسيره ومرجعه، أي أنه كان صغيراً في قلبه فلم يزل ينبت حتى أصحب فصار قديماً كهذا السقب الصغير، لم يزل يشب حتى صار كبيراً مثل أمه، وصار له ابن يصحبه .. ). وقال الراغب في مفردات القرآن: (أول: التأويل من الأول أي الرجوع إلى الأصل. ومنه الموئل للموضع الذي يرجع إليه، وذلك هو رد الشيء إلى الغاية المرادة منه علماً كان أو فعلاً، ففي العلم نحو: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، وفي الفعل كقول الشاعر:
[وللنوى قبل يوم البين تأويل]
وقوله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ [الأعراف: 53] أي بيانه الذي هو غايته المقصودة منه، وقوله تعالى: ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء: 59]، قيل أحسن معنى وترجمة، وقيل أحسن ثواباً في الآخرة. .) (?). وكذا قال إمام المفسرين الطبري رحمه الله -: (وأما معنى التأويل في كلام العرب: فإنه التفسير, والمرجع, والمصير) (?). وهذان المعنيان للتأويل: بمعنى تفسير الكلام وبيانه، أو ما يؤول إليه الأمر ويرجع ويصير، هما المعنيان المستعملان في لغة العرب، والثاني في لغة القرآن خاصة، حتى استحدث له المتأخرون معنى اصطلاحياً بحتاً لا يستند على استعمال أصلي، فأوجب ذلك خلطاً وتشويشاً وسوء فهم لمقاصد النصوص.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إن لفظ التأويل، قد صار بتعدد الاصطلاحات مستعملاً في ثلاثة معان:
أحدها: وهو اصطلاح كثير من المتأخرين المتكلمين في الفقه وأصوله: أن التأويل هو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل يقترن به؛ وهذا هو الذي عناه أكثر من تكلم من المتأخرين في تأويل نصوص الصفات وترك تأويلها، وهل هذا محمود أو مذموم، وحق أو باطل؟
والثاني: أن التأويل بمعنى التفسير، وهذا هو الغالب على اصطلاح مفسري القرآن، كما يقول ابن جرير وأمثاله من المصنفين في التفسير: واختلف علماء التأويل. ومجاهد, إمام المفسرين - قال الثوري: (إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به) (?). وعلى تفسيره يعتمد الشافعي, وأحمد بن حنبل, والبخاري وغيرهم - فإذا ذكر أنه يعلم تأويل المتشابه، فالمراد به: معرفة تفسيره.
الثالث: من معاني التأويل، هو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام، كما قال تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ [الأعراف: 53]. فتأويل ما في القرآن من أخبار المعاد: هو ما أخبر الله تعالى به فيه، مما يكون من القيامة والحساب, والجزاء, والجنة والنار ونحو ذلك، كما قال في قصة يوسف لما سجد أبواه وإخوته: يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ [يوسف: 100]، فجعل عين ما وجد في الخارج هو تأويل الرؤيا.