5 - ومثال ما يقع في المال أن الكفار قالوا: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا [البقرة: 275]. فإنهم لما استحلوا العمل به احتجوا بقياس فاسد, فقالوا: إذا فسخ العشرة التي اشترى بها إلى شهر في خمسة عشر إلى شهرين, فهو كما لو باع بخمسة عشر إلى شهرين فأكذبهم الله تعالى ورد عليهم فقال: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة: 275] , ليس البيع مثل الربا. فهذه محدثة أخذوا بها مستندين إلى رأي فاسد، فكان من جملة المحدثات كسائر ما أحدثوه في البيوع الجارية بينهم المبنية على الخطر والغرر (?).
قال علي محفوظ في كتابه الإبداع في مضار الابتداع رداً على من قاس الربا على البيع في الحل بعد أن أورد كلام الشاطبي.
وحاصله: (أن ما ذكرتم قياس فاسد الوضع, لوقوعه في مقابلة النص، على أن بينهما فارقاً، وهو أن من باع ثوباً مثلاً قيمته عشرة في الحال بأحد عشر، فإنه أخذ الزائد بغير عوض، ولا يمكن جعل الإمهال عوضاً. لأنه ليس بمال حتى يكون في مقابلة الزائد. وهذا عين الربا لأنه زيادة لا يقابلها عوض في معاوضة مالية) (?).
قلت: وقد كثر الدعاة لإباحة الربا في هذا الزمان، ومما يؤسف له أن يكون بعض الناعقين بالدعوة إلى حله ممن يظن أنهم من أهل العلم، فقد صرحوا بإباحته على المنابر, وعبر وسائل الإعلام, متجاهلين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لعلل واهية, وتمحلات اخترعوها من بنيات أفكارهم, احتيالاً على تحليل ما حرم الله, وهذا شأن اليهود فإنهم عندما حرم الله عليهم لحوم الميتة أخذوا شحومها فجملوها - أي أذابوها - فباعوها فأكلوا ثمنها.
فقد روى البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه:
أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح، وهو بمكة: ((إن الله ورسوله حرم بيع الخمر, والميتة, والخنزير, والأصنام. فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا هو حرام. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوه، ثم باعوه فأكلوا ثمنه)) (?).
كما ظهر في هذا الزمان كثير من الحيل بقصد ابتزاز أموال الناس وأكلها بالباطل مثل ما يسمى باليانصيب وغيره، من ألوان القمار, وكثير مما يجري في البورصات, والأسواق العالمية من الحيل, والمؤامرات, ناهيك عن انتشار البنوك الربوية في شتى بلاد العالم الإسلامي في كل مدينة وقرية. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وخلاصة القول إن البدع كلها حرام، وتتفاوت رتبها في دائرة الحرام، فمنها ما هو كفر صراح، ومنها ما هو مشكوك في كفر صاحبه, ومنها ما هو معصية لا يكفر صاحبها بلا نزاع، ومنها ما هو مكروه, وقد فصلنا أمثلة ذلك في أول الفصل.
هذا ويجدر بنا ... أن ننبه إلى أن ما يجري عليه حكم المكروه من البدع، لا يعني به كراهية التنزيه، وقد نبه على ذلك الإمام الشاطبي رحمه الله.