فقد جاء في الحديث الصحيح عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أعظم الفرى أن يدعى الرجل إلى غير أبيه، أو يري عينه ما لم تر، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل)) (?).
وجاء عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر بالله، ومن ادعى قوماً ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار)) (?).
وعن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام)) (?).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه فهو كفر)) (?).
ففي هذه الأحاديث الوعيد الشديد لمن انتسب إلى غير أبيه أو قوماً غير قومه، وتحريم الانتفاء من النسب المعروف والادعاء إلى غيره، وقيد لك بالعلم ولابد منه في الحالتين إثباتاً أو نفياً لأن الإثم يترتب على العالم بالشيء المتعمد له (?).
ومما يدل على عظم جرم صاحب ذلك الفعل أنه عطفه على الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم كذب على الله وقد قال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ [الأنعام: 21].
وقد ذكر القاضي عياض أنه روي عن مالك فيمن انتسب إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم أنه يضرب ضرباً وجيعاً، ويشهر، ويحبس طويلاً حتى تظهر توبته لأنه استخفاف بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم (?).
ومع هذا فقد كثر في العصور المتأخرة الانتساب إلى آل البيت إما لمطامع دنيوية وطلب رفعة ومنزلة مكذوبة أو من أجل الكيد للإسلام وأهله.
فالناظر في كتب التصوف يجد أن كثيراً من أرباب الطرق ينتسبون إلى آل البيت ليخدعوا الناس بتلك الدعوى، كما أن كتب الرافضة مليئة بذلك حيث اتخذوا آل البيت ستاراً لبث أفكارهم ومعتقداتهم.
وكما تقدم من أن الانتساب إلى آل البيت لا يكفي لوحده ولو ثبت ذلك فإن الصوفية القائلة بوحدة الوجود أو أن الشريعة لها ظاهر وباطن أو جواز الطواف على القبور والعكوف عندها، والرافضة القائلة بأن القرآن محرف ومزيد فيه ومنقوص منه (?)، وأن الصحابة جلهم قد ارتد عن الإسلام (?) وأن الأئمة معصومون (?)، وغير ذلك من المعتقدات التي تنافي الإسلام كالقول بالرجعة ونسبة البداء لله سبحانه وتعالى فهؤلاء وأمثالهم لا حظ لهم في الحقوق ولو صح انتسابهم إلى آل البيت لعدم توافر الشرط اللازم لذلك، والله أعلم. العقيدة في أهل البيت بين الإفراط والتفريط لسليمان بن سالم بن رجاء السحيمي- ص: 197