قلت: وذلك لأن صاحب الشرف مظنة الاتباع والقدوة لغيره. العقيدة في أهل البيت بين الإفراط والتفريط لسليمان بن سالم بن رجاء السحيمي– ص: 197

الشرط الثالث: ثبوت النسب:

أشرفُ الأنساب نسَبُ نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأشرف انتسابٍ ما كان إليه صلى الله عليه وسلم وإلى أهل بيتِه إذا كان الانتسابُ صحيحاً، وقد كثُرَ في العرب والعجم الانتماءُ إلى هذا النَّسب، فمَن كان من أهل هذا البيت وهو مؤمنٌ، فقد جمَع الله له بين شرف الإيمان وشرف النَّسب، ومَن ادَّعى هذا النَّسبَ الشريف وهو ليس من أهله فقد ارتكب أمراً محرَّماً، وهو متشبِّعٌ بِما لَم يُعط، وقد قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((المتشبِّعُ بِما لَم يُعْطَ كلابس ثوبَي زور))، رواه مسلمٌ في (صحيحه) (?) من حديث عائشة رضي الله عنها.

وقد جاء في الأحاديث الصحيحة تحريمُ انتساب المرء إلى غير نسبِه، ومِمَّا ورد في ذلك حديثُ أبي ذر رضي الله عنه أنَّه سَمع النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليس مِن رجلٍ ادَّعى لغير أبيه وهو يَعلَمه إلاَّ كفر بالله، ومَن ادَّعى قوماً ليس له فيهم نسبٌ فليتبوَّأ مقعَدَه من النار))، رواه البخاريُّ، ومسلم، واللفظ للبخاري (?).

وفي (صحيح البخاري) من حديث واثلة بن الأَسْقع رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ مِن أعظَمِ الفري أن يَدَّعيَ الرَّجلُ إلى غير أبيه، أو يُري عينَه ما لَم تَرَ، أو يقولَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لَم يقل)) (?)، ومعنى الفري: الكذب، وقوله: ((أو يُري عينَه ما لَم تَرَ))، أي: في المنام.

وفي (مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية) رحمه الله (31/ 93) أنَّ الوقفَ على أهل البيت أو الأشراف لا يستحقُّ الأخذَ منه إلاَّ مَن ثبت نسبُه إلى أهل البيت، فقد سُئل عن الوقف الذي أُوقِف على الأشراف، ويقول: (إنَّهم أقارب)، هل الأقاربُ شرفاء أم غير شرفاء؟ وهل يجوز أن يتناولوا شيئاً من الوقف أم لا؟

فأجاب: (الحمد لله، إن كان الوقفُ على أهل بيتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أو على بعض أهل البيت، كالعلويِّين والفاطميِّين أو الطالبيِّين، الذين يدخل فيهم بنو جعفر وبنو عَقيل، أو على العبَّاسيِّين ونحوِ ذلك، فإنَّه لا يستحقُّ مِن ذلك إلاَّ مَن كان نسبُه صحيحاً ثابتاً، فأمَّا مَن ادَّعى أنَّه منهم أو عُلِم أنَّه ليس منهم، فلا يستحقُّ مِن هذا الوقفِ، وإن ادَّعى أنَّه منهم، كبَنِي عبدالله بن ميمون القدَّاح؛ فإنَّ أهلَ العلمِ بالأنسَاب وغيرَهم يعلمون أنَّه ليس لهم نسبٌ صحيحٌ، وقد شهد بذلك طوائفُ أهل العلم من أهل الفقه والحديث والكلام والأنساب، وثبت في ذلك محاضرُ شرعيَّة، وهذا مذكورٌ في كتب عظيمة مِن كتب المسلمين، بل ذلك مِمَّا تواتر عند أهل العلم.

وكذلك مَن وقف على الأشراف، فإنَّ هذا اللفظ في العُرف لا يدخل فيه إلاَّ مَن كان صحيح النَّسَب من أهل بيت النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وأمَّا إن وقف واقفٌ على بني فلانٍ أو أقارب فلانٍ ونحو ذلك، ولم يكن في الوقف ما يقتضي أنَّه لأهل البيت النبويِّ، وكان الموقوف مُلكاً للواقف يصح وقفُه على ذريّة المعيَّن، لم يدخل بنو هاشم في هذا الوقف). فضل أهل البيت وعلو مكانتهم عند أهل السنة والجماعة لعبدالمحسن بن حمد العباد البدر-ص: 82

فمتى ثبت الانتساب إلى آل البيت مع الإسلام استحق ما لهم من حقوق.

ويتعين على هذا ترك الانتساب إليه صلى الله عليه وسلم إلا بحق وقد جاء الوعيد الشديد في من انتسب إلى غير أبيه أو ادعى قوماً ليس له فيهم نسب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015