ولهذا كان رضا الله عن السابقين الأولين أفضل من الصلاة على آل محمد، لأن ذلك إخبار برضا الله عنه أنه يصلي عليه هو وملائكته بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب: 56]، فلم تكن فضيلته بمجرد كون الأمة يصلون عليه، بل بأنه تعالى وملائكته يصلون عليه بخصوصه، وإن كان الله وملائكته يصلون على المؤمنين عموماً، كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [الأحزاب: 43]، ويصلون على معلمي الناس الخير، كما في الحديث: ((إن الله وملائكته يصلون على معلمي الناس الخير)) (?). فمحمد صلى الله عليه وسلم لما كان أكمل الناس فيما يستحق به الصلاة من الإيمان وتعليم الخير وغير ذلك، كان له من الصلاة عليه خبراً وأمراً خاصية لا يوجد مثلها لغيره صلى الله عليه وسلم.

فبنو هاشم لهم حق وعليهم حق، والله تعالى إذا أمر الإنسان بما لم يأمر به غيره، لم يكن أفضل من غيره بمجرد ذلك، بل إن امتثل ما أمر الله به كان أفضل من غيره بالطاعة، كولاة الأمور وغيرهم ممن أمر بما لم يؤمر به غيره، من أطاع منهم كان أفضل؛ لأن طاعته أكمل، ومن لم يطع منهم كان من هو أفضل منه في التقوى أفضل منه (?).

فالصلاة على آل محمد حق لهم عند المسلمين، وذلك سبب لرحمة الله تعالى لهم بهذا النسب، لأن ذلك يوجب أن يكون كل واحد من بني هاشم لأجل الأمر بالصلاة عليه تبعاً للنبي صلى الله عليه وسلم أفضل ممن لم يصل عليه. ألا ترى أن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ [التوبة: 103].

وفي (الصحيحين) عن ابن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه قوم بصدقتهم صلى عليهم، وإن أبي أتاه بصدقته فقال: ((اللهم صل على آل أبي أوفى)) (?). فهذا فيه إثبات فضيلة لمن صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ممن كان يأتيه بالصدقة، ولا يلزم من هذا أن يكون كل من لم يأته بصدقة لفقره دون من أتاه بصدقة وصلى عليه؛ بل قد يكون من فقراء المهاجرين الذين ليس لهم صدقة يأتونه بها من هو أفضل من كثير ممن أتاه بالصدقة وصلى عليه، وقد يكون بعض من يأخذ الصدقة أفضل من بعض من يعطيها، وقد يكون فيمن يعطيها أفضل من بعض من يأخذها، وإن كانت اليد العليا خيراً من اليد السفلي.

فالفضيلة بنوع لا يستلزم أن يكون صاحبها أفضل مطلقاً، ولهذا في الأغنياء من هو أفضل من جمهور الفقراء، وفي الفقراء من هو أفضل من جمهور الأغنياء؛ فإبراهيم وداود وسليمان ويوسف وأمثالهم أفضل من أكثر الفقراء، ويحيى وعيسى ونحوهما أفضل من أكثر الأغنياء.

فالاعتبار العام هو التقوى، كما قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13]، فكل من كان أتقى أفضل مطلقاً. وبهذا تزول شبه كثيرة تعرض في مثل هذه الأمور.

وقد أورد شيخ الإسلام في معرض رده على الرافضي جماعة من قرابة النبي صلى الله عليه وسلم كالعباس، وحمزة، وجعفر، وعقيل، وعبد الله، وعبيد الله، والفضل، وغيرهم من بني العباس، وربيعة، وأبي سفيان بن الحارث؛ وبين أن هؤلاء ليس أفضل من أهل بدر، ولا من أهل بيعة الرضوان، ولا من السابقين الأولين، إلا من تقدم بسابقته، كحمزة وجعفر؛ فإنهما رضي الله عنهما من السابقين الأولين. وكذلك عبيدة بن الحارث الذي استشهد يوم بدر (?).

وذكر شيخ الإسلام رحمه الله أيضاً أن كثيراً من بني هاشم في زمنه لا يحفظ القرآن، ولا يعرف من حديث النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما شاء، ولا يعرف معاني القرآن، فضلاً عن علوم القرآن والفقه والحديث (?).

والخلاصة: أنه لا يقال بتفضيل بني هاشم مطلقاً، وإنما مع وجود الإيمان والتقوى والعمل الصالح، فصاحب الإيمان والتقوى من غير بني هاشم أقرب إلى الله وإلى رسول الله وأحب إليهما من الهاشمي الذي لا يتصف بذلك الوصف. دراسات في أهل البيت النبوي – خالد بن أحمد الصمي – ص: 66

طور بواسطة نورين ميديا © 2015