لا يعني القول بتفضيل آل البيت – عند أهل السنة والجماعة – تفضيلهم مطلقاً في كل الأحوال وعلى جميع الأشخاص، بل قد يوجد في آحاد الناس من هو أفضل من آحاد بني هاشم، لزيادة التقوى والإيمان والعمل عنده، وهو الذي على أساسه يثاب الإنسان أو يعاقب، أما نفس القرابة ولو كانت من النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن الله تبارك وتعالى لم يعلق بها ثواباً ولا عقاباً، ولا مدح أحداً بمجرد كونه من ذوي القربى وأهل البيت، ولا ذكر سبحانه استحقاقه الفضيلة عند الله بذلك (?)!
فإن القرابة والنسب لا يؤثران في ترتيب الثواب والعقاب، ولا في مدح الله عز وجل للشخص المعين، ولا في كرامته عند الله، وإنما الذي يؤثر فيه الإيمان والعمل الصالح، وهو التقوى كما سبق (?). قال سبحانه: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13].
وعلى ضوء هذه الآية الكريمة، وحديث: ((الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)) (?)، ولزيادة التوضيح أقول (?):
الأرض إذا كان فيها معدن ذهب ومعدن فضة، كان معدن الذهب خيراً؛ لأنه مظنة وجود أفضل الأمرين فيه، فإن قدر أنه تعطل ولم يخرج ذهباً، كان ما يخرج الفضة أفضل منه. فالعرب في الأجناس، وقريش فيها، ثم هاشم في قريش مظنة أن يكون فيهم من الخير أعظم مما يوجد في غيرهم. ولهذا كان في بني هاشم النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يماثله أحد في قريش، فضلاً عن وجوده في سائر العرب وغير العرب، وكان في قريش الخلفاء الراشدون وسائر العشرة وغيرهم ممن لا يوجد له نظير في العرب وغير العرب، وكان في العرب من السابقين الأولين من لا يوجد له نظير في سائر الأجناس.
فلابد أن يوجد في الصنف الأفضل ما لا يوجد مثله في المفضول، وقد يوجد في المفضول ما يكون أفضل من كثير مما يوجد في الفاضل. كما أن الأنبياء الذين ليسوا من العرب أفضل من العرب الذين ليسوا بأنبياء، والمؤمنون المتقون من غير قريش أفضل من القرشيين الذين ليسوا مثلهم في الإيمان والتقوى، وكذلك المؤمنون المتقون من قريش وغيرهم أفضل ممن ليس مثلهم في الإيمان والتقوى من بني هاشم.
فهذا هو الأصل المعتبر في هذا الباب دون من ألغى فضيلة الأنساب مطلقاً، ودون من ظن أن الله تعالى يفضل الإنسان بنسبه على من هو مثله في الإيمان والتقوى، فضلاً عمن هو أعظم إيماناً وتقوى؛ فكلا القولين خطأ، وهما متقابلان.
بل الفضيلة بالنسب فضيلة جملة، وفضيلة لأجل المظنة والسبب، والفضيلة بالإيمان والتقوى فضيلة تعيين وتحقيق وغاية؛ فالأول يفضل به لأنه سبب وعلامة، ولأن الجملة أفضل من جملة تساويها في العدد. والثاني يفضل به لأنه الحقيقة والغاية، ولأن كل من كان أتقى لله كان أكرم عند الله، والثواب من الله يقع على هذا؛ لأن الحقيقة قد وجدت، فلم يعلق الحكم بالمظنة، ولأن الله تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه، فلا يستدل بالأسباب والعلامات.